بعد زواجي بشهرٍ واحد وفي الثامنة مساءً من ليلة باردة دقّ الباب دقات متوالية مما أثا@ر قلقي

أحزنني حالها وقدمت لها بعض الطعام ونظفتها جيدًا

ودثرتها وأدخلتها الفراش لتنام،

ولم أنم ليلتها من خوفي أن يكون هناك من يتبعها لكن

المسكينة راحت في نوم عميق كأنها لم تنم منذ فترة.

في الصباح كان المطر شديدا فطلبت منها أن تظل معي
وطلبت لها بعض الملابس من إحدى المتاجر القريبة،
كانت هادئة جدًا لا تطلب شيء ولا تعبث بشيء،
ثم وجدتها بدأت تُرتب البيت في محاولة منها لمساعدتي،
نظرت إليها برفق وأنا أربت على كتفها:
هل ترغبين بالجلوس معي.
قفزت من فرحتها وقالت:
ليتك تقومين بتركي في دار أخرى ليكون لدي الكثير من الصديقات،
وسأقوم بمساعدتك بكل شيء.
كنت أعلم أن زوجي لن يقبل بوجودها فقررت الذهاب لدار الأيتام
لأعلم حقيقة الأمر بعدما أخبرتني الفتاة عن إسم الدار ومكانها،
وأنها تحب صديقاتها أو كما قالت عنهم أخواتها في الدار لكن
تكره تلك الاستاذة ولا تريد العودة أبدًا.

عند دخولي وجدت إحدى المربيات تجلس باكية بشدة،
فدخلت بعدها مباشرة للمديرة وسألتها عن الأمر وأخبرتها أن
أخي يعمل ضابطًا وبإمكاني تقديم شكوى وتصعيدها
لأعلى جهة بشأن القسوة على الأيتام،
فطلبت مني الهدوء ونادت على الأستاذة نرجس وتركتني
معها بعدما أخبرتها بشأن تواجد جميلة معي، قالت نرجس في ندم:
جميلة إبنتي.
صُدمت لما قالت وقلت في إستنكار:
كيف ذلك ؟ هل تقسو الأم على إبنتها وتُحضرها لدار أيتام !
ليس لها أب شرعيّ، ولذا كان من الصعب أن أواجه المجمتع بها،
وبسبب إقامتي بالدار لفترات طويلة لم يعلم أهلي عن جميلة شيء،
لكني كلما رأيتها أصب غضبي وندمي على فعلتي
بها فأعنفها وأضربها لأنها من سلالة ذاك الح0قير،
الذي سلبني أعز ما أملك وورطني بتلك الفتاة وذهب.
أصابني الإشمئزاز من قلبها الأعمى:

وما ذنبها ؟ هل تصبين غضبك وندمك على هذه البريئة التي

لم يكن ذنبها سوى أنها إبنة لشخصين إنعدمت الرحمة في قلوبهم،

أحدهم لم يعترف بها والأخرى يتمتها وهي على قيد الحياة ! ما هذا الجحود ؟

بكت وانتحبت ثم تنهدت وقالت:

إختفائها لهذه الأيام وأنا أعلم أنه بسببي جعلني لا أنام،

لم أعرف قيمتها وحبها المتواري بقلبي إلا حين رحلت،

أصبحت كالمجنونة وبحثت عنها في كل مكان.

هل تمزحين ؟ تعامليها بقسوة لدرجة الهرب منكِ ثم تبحثين عنها.

إختفائها من أمامي أوجع قلبي وجعلني أراجع حساباتي بشأن

معاملتي لها فرغم ما أفعله معها فأنا لا أطيق ذهابها عني.

حين عدت للبيت لأخذ جميلة وإعادتها لحضن أمها لم أجدها أبدًا فقد رحلت،

حاولت البحث كثيرًا بعدها لكن دون جدوى فقد ضاعت بعيدًا

عن أمها التي عرفت قيمتها بعد فوات الأوان،

فأحيانا لا نعرف قيمة الشيء إلا بعد ضياعه فلا نستطيع معاودته مرة أخرى،

فمثل تلك النرجس لا تستحق سوى الندم مرتين مرة على

ما فعلت بيدها ومرة على ما فعلت بقلبها في إبنتها.

لكن إتضح بعد ذلك أن زوجي كان قد عاد خلال تواجدي بالدار

وعرف حكاية الفتاة فأودعها بدار أيتام يعامل فيها الأطفال بلطف ورحمة،

وتكفل بها تمامًا وأخبرني بالأمر بعد أسابيع ليطمئن قلبي وداومت على زيارتها من فترة لأخرى.

أما عن نرجس فلم أسمع عنها بعد ذلك ربما عادت لأهلها وتزوجت وربما تبحث عن جميلة،

وربما إلتحقت بعمل آخر المهم أنها نالت ما تستحق فربما

لو أخبرتها وضمنت بقائها لعادت لسابق عهدها من قسوة معها.

البعض لا يتعظ مهما حدث له لكن الزمان كفيل بأن يرد الحقوق لأصحابها.

الصفحة السابقة 1 2
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى