استأجر رجل ثري خادمة لتنظيف قصره يوميًا

وفي أحد الأيام، بينما كانت تنظف غرفة كبيرة، رآها ابنة الرجل بالقرب من خزانة تحتوي على أشياء ثمينة. شعرت الخادمة بالحرج واعتذرت وغادرت مسرعة.

بعد أيام قليلة مرضت الخادمة وغابت عن العمل. حينها لاحظ الرجل اختفاء بعض المقتنيات الثمينة. فاشټعل غضبه، واتهم الخادمة مباشرة بالسړقة، وطردها دون أن يمنحها فرصة للدفاع عن نفسها. خرجت الخادمة باكية وهي تردد: “لم أسرق شيئًا يا سيدي.”

وبعد فترة، وبينما كان الرجل يبحث في غرفة ابنته، وجد صندوقًا مخفيًا في خزانتها. فتحه ففوجئ بأن كل الأشياء المفقودة بداخله. عندها صُدم واكتشف الحقيقة: ابنته هي من كانت تأخذ المقتنيات سرًا!

شعر الرجل بالخجل من نفسه، واتصل بالخادمة قائلاً:

“لم تسرقي شيئًا… ابنتي هي من فعلت. لقد ظلمتكِ بحكمي المتسرع، ولم أستمع لكِ. أرجوكِ سامحيني وعودي إلى عملك.”

لا تحكم على الناس بالظن، فكم من بريء حُمّل وزر غيره

لكن الخادمة، التي ذاقت مرارة الظلم والاتهام، لم تستطع الرد فورًا. ظل الهاتف صامتًا للحظات، ثم قالت بصوتٍ خافت:
“يا سيدي، الجرح الذي يُحدثه الظلم لا يُشفى بسهولة، لكني سامحتك لوجه الله، لا لأنك طلبت السماح فقط، بل لأن قلبي لا يعرف الكراهية.”

تأثر الرجل بكلماتها، ودمعت عيناه ندمًا. لم يكن يتوقع هذا الصفح النبيل ممن ظلمها.
عاد إلى ابنته، وجلس أمامها قائلاً:
“يا ابنتي، لقد أوقعتِ ظلماً على إنسانة لم تؤذكِ، وأحرجتِ أباكِ أمام ضميره قبل الناس. تعلمي أن السرقة ليست فقط أخذ أشياء لا تخصك، بل أيضًا سلب ثقة الآخرين وعدلهم.”

انحنت الفتاة رأسها خجلاً، وذهبت بنفسها إلى الخادمة، وقدّمت لها اعتذارًا صادقًا، ووعدت أن تُصلح خطأها.
ومنذ ذلك اليوم تغيّر الجميع في ذلك البيت:
أصبح الرجل أكثر إنصافًا، والابنة أكثر صدقًا، والخادمة أكثر احترامًا في عيونهم جميعًا.

وهكذا، تعلّموا أن الظن السيئ قد يهدم بيوتًا، بينما كلمة “سامحتك” قد تبني قلوبًا من جديد.

في صباح اليوم التالي، قرر الرجل الذهاب بنفسه إلى بيت الخادمة.
طرق الباب بخجل، وحين فتحت، بدت ضعيفة شاحبة من المرض والحزن، لكن عينيها بقيتا طيبتين كما عرفها دائمًا.

قال بصوت مرتجف:
“جئت أعتذر… لقد أخطأت بحقك ظلمًا، وأدعو الله أن يغفر لي كما غفرتِ لي أنتِ.”

لكنها لم تجبه فورًا، بل ابتسمت ابتسامة هادئة وقالت:
“يا سيدي، كنت أدعو الله كل ليلة أن يُظهر الحقيقة، لا انتقامًا، بل لأجل أن يطمئن قلبي. الحمد لله الذي أنصفني.”

ثم سعلت بقوة، فسارع الرجل لمساعدتها، ليكتشف أنها مريضة بشدة. عرض عليها العلاج في أفضل المستشفيات، وأصر أن تعود إلى البيت لا كخادمة، بل كأختٍ في أسرته.

وفي تلك الليلة، جمعت العائلة كلها، ووقف الرجل أمام ابنته قائلاً والدموع تملأ عينيه:
“هذه المرأة التي ظلمناها علمتنا معنى العدل والرحمة أكثر مما فعلت كتب الدنيا. احفظي وجهها في قلبك، لأن الله أرسلها لتذكّرنا بأن الكِبر والظن السيئ هما أخطر ما يسكن الإنسان.”

اقتربت الفتاة من الخادمة، جثت على ركبتيها وبكت وهي تقول:
“سامحيني… أنا السبب في كل ما حدث.”
فوضعت الخادمة يدها على رأسها وقالت:
“سامحتك من أول يومٍ دعوت الله فيه أن يهديكِ.”

وبينما كانت الدموع تملأ العيون، أحس الجميع بأن ذلك البيت تغيّر إلى الأبد…
لم يعد بيتًا يملؤه الظن والخوف، بل بيتًا وُلد فيه الضمير من جديد.

لا تُطلق حُكمك قبل أن تسمع الحقيقة كاملة،
فكلمة ظالمة قد تجرح قلبًا بريئًا،
وإنصاف متأخر خيرٌ من ظلمٍ دائم.
احذر أن تُطفئ نور إنسان بالشك،
فلربما كان ذلك النور هو ما سيهديك يومًا إلى الصواب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى