رواية الثلاثة يحبونها كاملة بقلم شاهنده سمير
بألف لون.
قالت علا بهمس
وأهى خطتها نجحت والكل متعاطف معاها..إتعلمى منها بقى ياحبيبتى ومثلى شوية..الناس بيبصولك .
نظرت بشرى بالفعل إلى محيطها لتجد بعض النسوة ينظرون إليها تبدو على ملامحهم الإستنكار..لتشعر ان علا على حق..يجب ان تبدأ التمثيل الآن وحالا وإلا ستكون سيرتها غدا على كل لسان فى تلك العائلة التى تكرهها من كل قلبها..عائلة الشناوي.
لتدمع عيناها على الفور وهي تستحضر كل قدراتها التمثيلية..لتصرخ بلوعة قائلة
ياحبيبتى ياراوية..ملحقتيش تفرحى بهاشم جوة ..كنتى أخت ..والله كنت أخت..ربنا يرحمك ياحبيبتى يارب.
ظهر الحزن على وجوه الجميع وهم يقولون آمين..وبدأت بعض النسوة تتجه إلى بشرى تطلب منها الصبر وذكر الله..يواسونها على مصابها وهي تبكى وتقول
قدر الله وما شاء فعل..ربنا يرحمها برحمته..وحشتنى من دلوقتى.
لتتلاقى عيناها بعيني علا التى ضمت السبابة والإبهام رافعة اصابعها الثلاثة علامة الكمال خفية..لتكاد بشرى ان تبتسم فى إنتصار ولكنها أخفت تلك الإبتسامة بسرعة لتلتقط رحمة ما حدث وتهز رأسها فى يأس..تمد يدها لتمسح دموعها المتساقطة على وجهها قائلة فى ضعف
ربنا يرحمك ياراوية.
…إنفضت النسوة وإنتهى العزاء..لتقترب روحية من رحمة قائلة فى حنان
قومى ياست رحمة.. كلى لقمة وإرتاحى شوية ..كدة مش كويس علشانك.
قالت رحمة بضعف
مش قادرة ياروحية آكل..أنا هقوم أرتاح فى أوضتى.
قالت روحية بإصرار
مينفعشى ياستى .. إنتى مكلتيش حاجة من ٣ أيام..مفيش حد يقدر يعيش من غير أكل.
قالت رحمة بضعف
مش قادرة احط حاجة جوة بطنى..من فضلك ياروحية سيبينى براحتى.
قالت روحية
بس….
قاطعتها بشرى قائلة بحدة
ما قالتلك مش قادرة..خلصنا بقى..هو إحنا هنترجاها تاكل..ما إنشالله ما أكلت ..دى حاجة تإر….
هدر صوت يحيي من خلفها مقاطعا إياها وهو يقول
فيه إيه..بتزعقى كدة ليه يابشرى
نظر الجميع إلى يحيي الذى دلف لتوه من باب المنزل يبدو عليه الإرهاق بدوره وقد إستطالت ذقنه وظهر السواد حول عينيه..يتبعه مراد..لتقول بشرى متلعثمة
مبزعقش ولا حاجة ..أنا بس…أنا…..
ليتجاهلها يحيي تماما وهو يلقى نظرة على وجه رحمة الشاحب بشدة ..ينتابه القلق من مظهرها الضعيف ..يخشى ان تكون بشرى قد ضايقتها بكلامها ويدرك من إطراقة رأسها أنها لن تتحدث..ليقول موجها حديثه إلى روحية قائلا
فيه إيه ياروحية
قالت روحية فى إحترام
رحمة هانم مكلتش يايحيي بيه وانا كنت بنبهها إنها لازم تاكل قبل ما تطلع اوضتها بس هي رفضت زي كل يوم .
إتسعت عينا يحيي فى صدمة وهو يوجه حديثه إلى رحمة قائلا
إنتى مكلتيش من إمتى يارحمة
رفعت إليه عينان ضړب كل من ضعفهما ودموعهما قلبه فى مقټل وهي تقول بصوت خاڤت
مليش نفس ..مش عايزة آكل.
إقترب منها قائلا بقلق حازم
أنا بسألك سؤال تجاوبينى عليه..مكلتيش من إمتى
قالت روحية بسرعة
من ساعة المرحومة راوية هانم ما ماټت..من ٣ ايام يابيه.
نظر يحيي إلى روحية پصدمة ثم عاد بنظراته إلى رحمة التى بدأت تشعر بدوار خفيف..تود فى تلك اللحظة ان تهرب إلى أمان حجرتها تدرك ان كل العيون عليها وهذا يصيبها بالتوتر والضيق..خاصة عيون هذا الرجل الواقف أمامها..لتسمع صوت بشرى وهي تقول بحدة
إنتوا مكبرين الموضوع أوى على فكرة..إيه يعنى مكلتش..دلع ماسخ بصراحة.
إلتفت يحيي إلى بشرى قائلا بصرامة
إنتى بالذات تسكتى خالص ومسمعش صوتك..مفهوم
نظرت بشرى إليه پصدمة ثم نظرت إلى مراد الذى كان يتابع ما يحدث بملامح جامدة صامتة..لتشعر بالڠضب يهز كيانها لټضرب الأرض بقدميها فى حنق قبل أن تتركهم وتتجه إلى حجرتها بخطوات سريعة غاضبة تتابعها الأعين لينتفض يحيي على صوت روحية وهي تقول بړعب
إلحق يايحيي بيه.
ليلتفت يحيي إلى رحمة التى كادت أن تسقط أرضا ليسندها وقد ظهر الجزع على ملامحه..يدرك أنها أغشي عليها ..لېصرخ بروحية قائلا
هاتى بيرفيوم من أوضتى وحصلينى على أوضتها بسرعة ياروحية..رحمة مستحيل تروح منى تانى.
أسرعت روحية تنفذ اوامر يحيي بينما وقف مراد عاجزا ..كاد أن يذهب وراءهم ولكن إكتشافه الذى مزق كيانه الآن..أصابه بالذهول ليشعر بالإختناق..ليقرر أنه لابد وأن يذهب إلى المكان الوحيد الذى يشعر فيه بالراحة..لذا غادر المنزل متجها بكل حسم……إلى شروق.
الفصل السابع
لقد جزع قلبه حقا خوفا عليها وأنبأه ذلك الشعور الذى يشعر به الآن أنه
لن يستطيع التخلى عنها أبدا ولا حتى للمۏت بقوة وهو يغمض عينيه يتوسل قلبه لها صارخا..بالله عليكى لا تتركينى مجددا..ليترك يدها على الفور وهو يشعر بدلوف روحية إلى الحجرة تمنحه زجاجة العطر الخاصة به لينثر بعض منها على يديه ثم يقربها من أنفها ..جعدت رحمة أنفها وبدأت فى فتح عينيها
حضريلها لقمة بسرعة ياروحية.
فتحت رحمة فاهها لتعترض بضعف
هش..ولا كلمة..هتاكلى وأنا بنفسى اللى هأكلك.
مستنية إيه ياروحية..بسرعة هاتى الأكل.
أومأت روحية برأسها وهي تقول
ثوانى يابيه والأكل يكون عندك.
لتسرع بمغادرة المكان بينما عاد يحيي إلى رحمة
كانت شروق تجلس فى حجرتها تتصفح الإنترنت على هاتفها الجوال حين فوجئت بمراد يدلف إلى الحجرة لتترك الهاتف وهي تنهض بسرعة وتتقدم تجاهه وقد هالها مظهره المنهك الحزين..مالك ياحبيبى فيك إيه
تعبان ياشروق..تعبان أوى.
سلامتك من التعب ياقلب شروق..ياريت تعبك يسيبك وييجى جوايا أنا.
بعد الشړ عنك..متقوليش كدة.
أدمعت عيناها وهي ترى لأول مرة تدرك أنه بات يكن لها بعض المشاعر حتى وإن لم
يعترف بذلك بعد..فلقد كان إتفاقهما عند الزواج أن تمنحه سکينة لا يشعر بها مع زوجته ويمنحها منزلا وزوجا يرعاها بعد أن كادت أن تلقى فى الشارع بلا مأوى لها..من قبل عمها الذى قال لها مباشرة أن أولاده هم أحق بتلك اللقمة التى يمنحها إياها..يإست تماما وقد أصبحت دون أهل أو مأوى..مشت فى الشوارع حتى بلغ منها اليأس مبلغه لتلقى بنفسها فى وسط الطريق تبغى خلاصا من حياة بائسة.. ليكبح مراد فرامل سيارته قبل ان يصدمها مباشرة ويهبط منها ..يوبخها بشدة لرعونتها..لټنفجر فى البكاء فيشفق قلبه عليها.. يشعر بوجود مأساة خلف تلك الدموع ..ليأخذ بيدها ويطلب منها ان تحكى له مأساتها لتخبره بكل شئ..لا تدرى حتى الآن كيف باحت له بما لم تبح به لمخلوق….صمت طويلا مفكرا ثم عرض عليها العمل معه فى الشركة لتوافق على الفور ..منحها مبلغ من المال لتبحث عن مسكن قريب..وفى نفس اليوم تقابلت مع صديقتها نهاد وهي فى رحلة البحث تلك..لتسكن معها..وتشعر بالحياة وأخيرا تفتح لها ذراعيها من جديد..ومع مرور الأيام فاجئها مراد بعرضه الزواج منها لتفاجئ اكثر بموافقتها التى أرجعتها وقتها لفضله الكبير عليها.. ولكنها أدركت بعد الزواج أنها وافقت على عرضه لأنها أحبته من النظرة الأولى..أفاقت من شرودها العيون الجميلة دى مش لازم تبكى وأنا موجود.
ربنا ما يحرمنيش منك أبدا.
حركة بسيطة وكلمات أبسط منحاه ة من تلك الفتاة البسيطة رائعة الجمال..والتى منحته ماعجزت عن أن تمنحه إياه بشرى..منحته حب يظهر فى تلك العينين العشبيتين..وفى اهتمامها به وبكل ما يحبه ..ومنحته راحة فى الإستماع إليه وإلى ما يؤرقه ثم بكلمات بسيطة
نظرت إليه بلهفة قائلة
بجد يا مراد
بجد ياشروق.
قرب يحيي ملعقة الشوربة من فم رحمة لتفتح شفتيها رغما عنها وتشربها.. بعينيه..تشعر بيحيي يعود كما كان . ليكبح جماح نفسه بكل قوة ..كادت هي بدورها أن تستسلم لعشقها القديم ..أن هذا هو يحيي من ظن بها السوء رغم
نهض يحيي قائلا فى توتر
انا هخلى روحية تيجى تأكلك…
قاطعته قائلة
لو سمحت متتعبهاش..أنا هاكل لوحدى.
نظر إلى ملامحها الهادئة قائلا
متأكدة
أومأت برأسها ليقول مكررا
هتاكلى يا رحمة..قلة الأكل مش كويسة علشانك.
وكأنه يهتم إن عاشت أو ماټت..لتقول بعصبية
انا مش طفلة صغيرة على فكرة..ولما أقول هاكل يبقى هاكل..بطل تعاملنى معاملة الأطفال يايحيي..إنت كدة بتخنقنى.
إبتسم بسخرية قائلا
الاحسن إنى أعاملك كطفلة..صدقينى.. ما هو إنى اعتبرك طفلة صغيرة مش عارفة مصلحتها
فين.. أحسن كتير من إنى اعتبرك كبيرة وواعية ﻹن تصرفاتك دى لو اعتبرتها من واحدة كبيرة فهتنزلك من عينى أوى يارحمة..وأظن مش ممكن تنزلى أكتر من كدة.
أغروقت عيناها بالدموع ولكنها أطرقت برأسها حتى لايرى دموعها وضعفها..بينما هو شعر بالندم فور نطقه لتلك الكلمات وهو يرى شحوب وجهها ولكنه أدرك أنه أراد بتلك الكلمات ان يثبت لها أنه ليس ضعيفا أمام سحرها كما ظهر منه..وأنها لا تؤثر به بتاتا..أراد ان يوضح لها رأيه فيها حتى لا تنتابها الشكوك حول مشاعره ورغم انه أراد ان يبثها كل ذلك إلا أن إطراقة رأسها ومظهرها الضعيف الآن جعلاه يشعر بالندم على تفوهه بتلك الكلمات الفارغة ..يدرك أنه إن تركها الآن فلن تأكل وربما حدث لها شيئا وهو لن يسمح بإصابتها بأي سوء..ليعاود الجلوس
بجوارها يمسك بطبق الشوربة مجددا..ويمد يده بالملعقة إليها لترفع وجهها تنظر إليه بدهشة إختلطت بالدموع فى مشهد فطر قلبه..لينظر إليها بعيون قرأت فيهم ندمه الذى يحاول أن يخفيه عنها لتسامحه على الفور على كلماته القاسېة..لاعنة قلبها الذى يذوب به عشقا..لتفتح فاهها وتشرب ..لاتدرى مذاق ما تشربه ولكن كل ما تدركه أن يحيي هو من يذيقها إياه لتستشعره فى فمها …..رائع المذاق.
كانت بشرى تجوب حجرتها جيئة وذهابا..تشعر بالحقد والغيظ ېمزقان كيانها..تبغى الإنتقام ممن كانت السبب فى أن ېصرخ عليها يحيي لأول مرة فى حياتها..لا تدرى ماذا تفعللتتوقف فى مكانها ترفع يدها إلى رأسها تفركها فى حدة وهي تقول
فكرى يابشرى..فكرى..إيه..افكارك الجهنمية راحت فيندماغك دى صدت ولا إيهأكيد من قلة إستعمالها ..بقالك كتير راكناها على الرف..لكن آن الأوان تستخدميها عشان تزيحى العقربة رحمة من طريقك ..بس هتظبطيها إزاي بس
لتزفر قائلة
طول ما أنا عايشة فى التوتر ده وهي أدامى مش هعرف أفكر وأدبرلها مصېبة تاخدها من وشى..وأخلى الطريق يفضالى بقى..كل اللى هيحصل إنى هتعصب وأغلط وأزعل يحيي منى وبس.
لتلتمع عيناها وهي تقول
أيوة ..أحسن حاجة أروح لأخو جدى هاشم البلد..أيوة هروح للحاج صالح ..هناك هدوء وهعرف أفكر براحتى وبالمرة أجدد علاقتى بيهم ..جايز أحتاجلهم فى خطتى.
لتبتسم بإنتصار قائلة
أما إنتى عليكى دماغ يابشرى…ألماس.
لتطلق ضحكة ساخرة ..وهي تمنى نفسها بقرب الخلاص نهائيا …..من رحمة.
إستيقظ مراد ليجد شروق نائمة
نظرة أخيرة قبل ان ينهض بحذر..حتى لا يوقظها..فلا طاقة له اليوم برؤية حزنها لرحيله كما يحدث عادة ..تظن هي انها إستطاعت ان تواريه عنه ويدركه هو فى طيات عينيها الخضراوتين الساحرتين..نافذته التى يستطيع من خلالها رؤية مكنون قلبها..تنهد بحزن..كم ود لو
إستطاع ان يبدل قلبه أو يمحى عشق رحمة منه على الاقل كي يستطيع ان يبادلها ذلك العشق الكبير الذى تكنه له..ولكنه للأسف لا يستطيع..رغم انه أدرك مؤخرا حقيقة غابت عنه طوال حياته وهي أن أخاه يعشق رحمة.. والمصېبة الأكبر أن رحمة تعشقه بدورها..ظهرت تلك الحقيقة فى نظرات رحمة إلى يحيي وكلمات يحيي التى خرجت منه دون إرادة..تلك الحقيقة صډمته وأشعلت كيانه حزنا ..فطر قلبه إدراكه أنهم ..أولاد عاصم الشناوي ..ثلاثتهم أحبوها منذ الصغر..ولكن هي ..هي لم تحب سواه..أخاه الأكبر ..يحيي..ذلك الذى يحبه كوالد..كأخ أكبر..كقدوة..ورغم أنه وجب عليه ان يتخلص من عشقها الآن بعد إكتشافه ذلك..إلا أنه لا يستطيع ..مازال قلبه ينطق بحروف إسمها ..مجبرا إياه على التفكير بها..يتساءل ما مصير ذلك العشق الذى يهدم كيانه ويبعده عن كل ما حوله سواها..لينظر إلى شروق النائمة كالملاك متسائلا..وماذنب تلك المسكينة التى تعشقه بكل ذرة فى كيانها..وتنتظر يوما يبادلها فيه عشقهاليغمض عينيه
ألما..فبيده يقبع الحل لكل مشاكله ولكن قلبه يرفض أن يستمع إليه..ليبتعد مغادرا بخطوات ثقيلة..يعلم أنه وحده السبب فى عڈابه ولكن ما بيده حيلة فالحب فى حالته لعڼة ولا خلاص منها سوى بالمۏت..نعم هو المۏت…. ولا شئ غيره.
دلف مراد إلى حجرته بهدوء يبتهل بكل شدة إل الله ان تكون بشرى نائمة.. فلا طاقة لديه اليوم أيضا لمشاجرة جديدة مع بشرى يستشعرها فى كل كيانه..عقد حاجبيه بشدة وهو يرى الغرفة الخالية منها..تفقد الحمام فلم يجدها أيضا ليزداد إنعقاد حاجبيه..حتى وقعت عيناه على ورقة بيضاء وضعت على السرير مكتوب عليها إسمه بالخط العريض..تناولها تجرى عيناه على سطورها التى تقول..
وقفت ساكت وانا بيتزعقلى عشان خاطر الست رحمة ..ملقتش جوزى جنبى يدافع عنى..ومع ذلك انا مش زعلانة منك..لإنى عمرى ما حسيت بوجودك جنبى كداعم لية على الأقل..عموما انا مخڼوقة أوى ومش هقدر اقعد أنا وهي تحت سقف بيت واحد..خصوصا وأنا فى الحالة دى..عشان كدة أنا روحت لجدى صالح فى البلد.. هقعد عنده يومين أهدي فيهم اعصابى وهرجع تانى..لو حابب تحصلنى فأنا مستنياك..ولو وراك شغل فعادى ..إتعودت على كدة..سلام مؤقت…..يامراد.
زفر مراد بإرتياح فإبتعادها فى تلك الفترة هو خير بكل تأكيد..ليترك الورقة على الكومود ويتمدد على سريره بملابسه ..يستسلم لنوم عميق يرغب به الهروب من كل شئ يحدث حوله..فهروبه الآن داخل أحلامه يبدو الحل الأمثل……..على الأقل فى الوقت الحالى.
الفصل الثامن
طرق يحيي الباب فلم يجد إجابة..عقد حاجبيه يتساءل..ترى أمازالت رحمة نائمةنظر إلى ساعته ليجدها السابعة صباحا..ليزفر بقوة..يدرك أن
رحمة قد تغيرت بالفعل..فبالماضى كانت تصحو فى السادسة والنصف تماما..مثله..كانا الوحيدان اللذان يستيقظان فى مثل تلك الساعة المبكرة..ليركبان الأحصنة سويا..يتسابقان فى جو من المرح….والحب.
أصابته الذكريات بالألم مجددا..وكاد أن يبتعد عن الحجرة ولكن هاجس لديه أوقفه..ماذا لو أن رحمة مازالت مريضة لذا لم تستيقظ مبكرا كعادتهاماذا لو أصابها شئ ما..ليشعر بۏجع فى قلبه لمجرد التخيل..ويسرع بفتح الحجرة والدلوف إليها ..عقد حاجبيه وهو يرى الحجرة خالية..يتساءل إلى أين ذهبت فى مثل هذا الوقت..أتراها ذهبت إلى الخيل..وركبت إحداها وحدها وهي مازالت منهكة القوىأراد أن يقطع الشك باليقين ويتأكد بنفسه ولكن فى البداية يجب أن يمر على طفله ليطمأن عليه..فقد إشتاق إليه بشدة..إتجه إلى حجرة طفله ودلفها بهدوء ليتواجه مع رحمة التى ترفع طفله وتداعبه بمرح لتتعالى ضحكات هاشم المرحبة بمداعباتها..تعلقت عيناها بعينيه لتنزل الطفل إلى صدرها.. بينما نظر هو إليها متأملا ..يشعر بخفقات قلبه تعلو وتثير ضجيجا بين جنبات صدره..يظل هذا المشهد الذى يراه الآن مذيبا لقلبه ولو رآه للمرة المليون..فهو حلمه الذى راوده كثيرا وها هو يتجسد أمامه مرة تلو الأخرى..يجبره على التفكير بأن ما يحدث هو الشئ الصحيح وأن رغبة راوية ووصيتها الأخيرة يجب ان تتحقق فرغم كل ما حدث بالماضى فلا يستطيع أن يتخيل رحمة زوجة لآخر ولا أن يتخيل أما أخرى لطفله غيرها..إقترب منها وهو يتنحنح قائلا
إحمم..إزيك دلوقتى
إبتلعت ريقها بصعوبة وهي تشعر بإقترابه منها قائلة
أنا..أنا بخير.
مد يده يداعب وجنة صغيره الذى إبتسم له مرحبا قائلا
إنت كمان وحشتنى.
لينظر إلى عينيها الدخانيتين مستطردا
إبتلعت رحمة ريقها مجددا فى صعوبة..تشعر بكلماته موجهة إليها .. عڈابها بأكمله..تود الغفران ولكن كل الإنذارت الحمراء تقيدها..تجبرها ان لا تستسلم مجددا لعشق عند أول عقبة فى طريقه سيتصدع وينهار..لتشيح بوجهها عنه..تبتعد عن سحر عيناه المسلطتان على عينيها..وقد لاحظت غفوة الصغير على صدرها..لتحمله إلى سريره تمدده عليه وهي تميل على رأسه بحنو يتابعها يحيي..إعتدلت وكادت ان
تغادر الحجرة بهدوء متجاهلة وجود يحيي خلفها ليوقفها صوته وهو يقول بهدوء
رحمة..إحنا لازم نتكلم.
إلتفتت تواجهه.. تنظر مباشرة إلى عينيه وقد احتلت عينيها البرودة قائلة
هنتكلم فى إيه
بادلها برودها على الفور ببرود كالصقيع إحتل ملامحه ردا على برودة قسماتها..وهو يقول
فى حاجات كتير..أولهم وصية المرحومة راوية.
إتسعت عيناها پصدمة قائلة
أظن مش وقت الكلام ده ولا هنا المكان المناسب كمان..ولا إيه..أنا أختى لسة مېتة من أيام على فكرة..على الأقل سيبنى أحزن
عليها شوية..ومثل إنت شوية إنها كانت مراتك وزعلان عليها.
أحس بالغليان ليحمر وجهه..وتنتفض عروقه..وتشتعل عيناه بشرارات الڠضب ..لتدرك رحمة أنها تعدت كل الحدود..تراجعت لخطوة عندما اقترب منها خطوتين يقول پغضب
مش انا اللى أمثل يارحمة..أنا فعلا حزين على راوية لإنها قبل ما تكون مراتى كانت بنت عمى الطيبة..الروح الوحيدة النقية فى عيلة الشناوي كلهم..كانت بتدى من غير ماتنتظر أي حاجة فى المقابل..غيرها خد ومداش غير الغدر.
نظرت إلى عينيه قائلة بمرارة نطقت بها أحرفها وتلك الدموع التى ترقرقت بعينيها
غيرها ده اللى هو أنا مش كدة
أوجعته دموعها ولكنه أظهر البرود وهو يتأملها بنظرة..نعم أنتى من أقصدها بكلامى..لتستطرد بصوت يقطر ألما
ولما أنت عارف إن أنا وحشة أوى كدة ..يبقى لازمته إيه الكلام..إنسى وصيتها خالص ولا كأنها كانت موجودة من الأساس
مال عليها تلفحها أنفاسه الغاضبة وهو يقول
مش أنا اللى يوعد بحاجة وميوفيش بيها..وصية راوية هنفذها..أكيد مش حبا فيكى..لإن الحب كان غلطة حياتى..الحب كلمة مبقاش ممكن أعترف بيها..مسحتها من قاموسى ومن زمان ..ومش ناوى أعيد غلطاتى من جديد..بس كلمتى ووعدى لازم أحافظ عليهم حتى لو شايف إنك متستاهليش إسمى ..بس راوية شافت إنك هتكونى أم كويسة لإبنى..وبما إنى مش ناوى أرتبط تانى بعد راوية..يبقى عشان خاطر هاشم مستعد أتنازل وأتجوزك.
نظرت إليه رحمة فى برود يخالف تلك المرارة التى تشعر بها وذلك الألم الناتج من چرح قلبها النازف بقوة وهي تقول
ولو رفضت
إعتدل وهو يهز كتفيه قائلا بلا مبالاة يخفى بها خيبة أمل أحس بها فى أعماقه
رغم إنك وعدتى راوية بالموافقة..ورغم انى إتعودت منك على إنك شاطرة أوى فى كسر الوعود..إلا إن دى حريتك الشخصية..عايزة ترفضى وتروحى تتجوزى توفيق..إنتى حرة..بس بمجرد ما تخرجى..مش هيكون ليكى أي علاقة بالبيت ده..أو بأي حد موجود فيه..يعنى تنسى إنك من
عيلة الشناوي أصلا..وتنسى كمان إن ليكى إبن أخت إسمه هاشم.
عقدت رحمة حاجبيها ..تتساءل فى حيرة..عن أي شئ يتحدث..وما دخل توفيقما الذى جاء بإسمه فى حديثهماوكيف عرفلا يهم الآن..المهم هو هذا الټهديد الصريح بإزالتها من حياتهم..لا يهمها إن تبرأت منها عائلة الشناوي بأكملها فلم ترى منهم سوى القسۏة والجراح ولكن ما يهمها هو أصغر عائلة الشناوي..هاشم..إبن أختها الحبيب..آخر من تبقى من أختها..يحمل روحها..هو قطعة منها هي غير مستعدة إطلاقا للتخلى عنها..لتنظر إليه بنظرة جامدة لا روح فيها قائلة
كالعادة كسبت الجولة دى يايحيي..زي ما كسبت جولاتنا زمان..بس رحمة بتاعة زمان غير اللى واقفة أدامك دلوقتى..والمهم مين اللى يكسب فى الآخر.
لتتركه وتغادر يتابعها بعينيه ..يستقر فى أعماقهما إعجابا أظهره دون مواربة وهو يقول بهمس خاڤت وبلهجة تقرير
يمكن كسبت الجولة دى يارحمة..بس إنتى كسبتى الحړب… ومن زمان.
كانت بشرى تنظر إلى هذا الفضاء الشاسع أمامها..تلك الحقول الخضراء النضرة..تشعر بالملل..نعم لقد ملت رسم الإبتسامة على وجهها لأقاربها والذين إستقبلوها بالترحاب..ولكنهم حقا مملون وبسطاء..لا تجد راحتها بينهم أبدا..ولكنها مضطرة للتعامل معهم ومداهنتهم فربما تحتاج إليهم فى مخططها ضد تلك الحمقاء رحمة..زفرت بقوة..فحتى الآن لا تجد أية فكرة لإبعادها بعيدا بلا رجعة..لتقول بسخرية
وإنتى يعنى
كنتى فاكرة لما هتيجى هنا الافكار هتنط فجأة فى دماغك..إصبرى وركزى..
لتجد صوتا بداخلها يسألها ..هل ستستطيعين تحمل سماجة عائلة الشناوي وتلميحاتهم عن عدم إنجابك..حتى تجدين الحل لإبعاد رحمة عن طريقكهل ستستطيعين تحمل سذاجتهم وفضولهم الريفي المثير للأعصاب
لترد وكأنها تحادث نفسها قائلة
مش مهم أي حاجة..إمحى يابشرى كل حاجة تانية من دماغك وفكرى بس إزاي تإذى رحمة وتخرجيها من حياتكم .بس المرة دى للأبد يابشرى….للأبد.
لتلتمع عيناها بشړ وهي تبتسم إبتسامة مقيتة تليق بقلب مقيت… كقلبها تماما.
كانت شروق تنظر إلى المائدة التى أعدتها بعناية ..ترى ماذا ينقصها ..لتتأمل هذا الأرز الأصفر والبطاطس المحمرة..وشرائح البانيه وسلطة الكلو سلو..وكيك القرفة تماما كما يحب حبيبها مراد..الذى أخبرها بمجيئه اليوم لها على غير عادته..لتطير من السعادة..وتسرع بإعداد كل ما يحبه..أعلن جرس الفرن عن إنتهاء ذلك الطبق الأخير والذى يعشقه مراد..الشيش طاووق..لتسرع إلى الفرن تغلقه وتخرج تلك الصينية التى يوجد بها الشيش وتضعه على طاولة المطبخ..لتتهادى إليها رائحته الذكية..وتشعر فجأة بالغثيان.. وأنها على وشك التقيؤ..لتسرع إلى المرحاض وتفرغ كل ما فى جوفها ثم تنهض بضعف تستند إلى الحوض وهي تغسل فاهها تنظر إلى صورتها المنعكسة فى المرآة بقلق..تتساءل ماالذى أصابها اليوم..لقد ظنت حينما كانت تحمر شرائح البانيه وأحست بالغثيان و بأنها لا تطيق رائحة الدجاج لتسرع إلى المرحاض وتفرغ ما فى معدتها ..أنها ربما مصاپة بالبرد..رغم أنها لا يظهر عليها أي اعراض تدل على ذلك..ولكن الآن لديها حدس أن ما بها هو فقط غثيان يخص الدجاج بصفة خاصة رغم عشقها له..ليصيبها القلق..تتساءل هل هي……
نفضت افكارها..فهذا أمر مستحيل..فهي تأخذ إحتياطاتها جيدا..لقد كان هذا إتفاقها مع مراد من أول يوم لزواجهما..لا أولاد..هكذا حذرها وهي وافقت..فلم تكن تحبه وقتها وبعد أن أحبته لم تطالبه بتغيير إتفاقهما فهي تدرك أنه لم يعشقها بعد لدرجة أن يريد الإنجاب منها.. وربما يخشى
على مشاعر زوجته بشرى والتى لا تستطيع الإنجاب..هي حقا لا تدرى..ورغم رغبتها الشديدة فى الإنجاب منه إلا أنها لا تستطيع أن تخالفه أو تجبره..لذا آثرت أن تدع تلك الأمور للأيام..فالزمن كفيل بتغيير مشاعره تجاهها ليرغب بدوره فى الإنجاب منها..لكن ماذا لووو…..
ليس هناك ماذا لوهي ليست حاملولكنها يجب أن تقطع الشك باليقين..وتجرى إختبارا للحمل..ربما بعد رحيله اليوم ستفعل..أما الآن فلتذهب ولتستعد لإستقبال حبيبها الذى تعشقه من كل قلبها……مراد.
كانت رحمة تمرر يدها على تلك الفرسة الجميلة البيضاء والتى تذكرها بفرستها القديمة مرجانة..والتى لم تجد لها أي أثر فى الإسطبل..حتى مرجان فرس يحيي الأسود والذى إعتاد على ركوبه معها..إختفى بدوره ولم يعد لوجوده أي أثر..ولكن هناك فى هذا الركن البعيد يوجد حصان يشبهه ولكنها خشيت الإقتراب منه فعلى عكس مرجان عندما رآها هاج وماج وكاد أن يكسر الباب لتبتعد على الفور خشية منه..وتقترب من تلك الفرسة الجميلة الهادئة تقول بنعومة
تعرفى إنتى بتفكرينى بمينبمرجانة..كانت شبهك تمام..رقيقة وجميلة وحنينة..ياترى راحت فين
إنتفضت على صوته الذى قال بصرامة
بعتها.
إلتفتت إليه تنظر إلى ملامحه الجامدة
لتقول بهدوء
بعتها ليه
كانت تعرف الإجابة ولكنها بدت وكأنها تهوى تعذيب قلبها..تهوى سماع كلماته الچارحة والتى لم يبخل عليها بها وهو يقول
لإنها بتفكرنى بيكى..بالأيام اللى عشت فيها معاكى وأنا مخدوع فيكى..فاكرك طيبة ورقيقة ..بس طلعتى فى الآخر خاېنة وغدارة..وأكيد هي كانت شبهك وعشان كدة بعت مرجان كمان ..مكنتش قادر أشوف حزنه عليها بعد ما راحت..أصلى فرقتهم عن بعض..فرقتهم قبل ما ټخونه وټحرق قلبه زي ما إنتى خونتينى و حرقتى قلبى يارحمة.
إستمعت إليه رحمة فى ألم..تشعر بطعنات كلماته
فى قلبها..حادة كالسکين..تقطع مشاعرها وتسبب لها ڼزيفا لا يحتمل ولكنها تمالكت نفسها قائلة فى برود
كل واحد فينا شايف القصة من وجهة نظره ولو انت شايف إنى خنتك وغدرت بيك..فصدقنى أنا شايفاك أكتر من كدة كمان..الخېانة من وجهة نظرى خېانة عهود ووعود قبل ما تكون خېانة جسد..إفتكر عهودك ووعودك هتعرف إنك خنتهم كلهم يا يحيي..ياريت مسمعش منك كلام زي ده تانى لو إنت ناوى تنفذ وصية أختى الله يرحمها..لإنى ساعتها همشى وأسيب البيت ده..هسيب مصر كلها ومش هيهمنى حاجة أبدا..
لتمشى من أمامه بإباء ويتابعها هو بعينيه ..تعجبه قوتها التى ظهرت كجانب آخر من رحمة لم يره من قبل..ورغم كلماتها الفارغة والتى لم يفهم منها شيئا بعد إلا أنها أخرسته تماما..ليدرك أنه سيتزوجها وسيخضعها له وسيستمتع بكل لحظة رغم الألم الذى يشعر به من ماض بعيد..لكنه سيتأكد من عدم تكراره وسيجعلها له وحده وسيمحى الغدر من قاموسها ولو دفع حياته ثمنا لذلك.
مد مراد يده وسحب المنديل يمسح به فمه..ثم نظر إلى شروق التى تتأمله مبتسمة
تسلم إيديكى ياشروق.
إتسعت إبتسامة شروق قائلة
تسلملى ياحبيبى.
نظر إلى طبقها الذى لم ينقص منه إلا القليل قائلا
بس إنتى مكلتيش ياشروق.
نظرت شروق إلى طبقها بإرتباك قائلة
لأ إزاي ..أنا كلت..بس كنت بنأنأ كدة وأنا بطبخ وعشان كدة مكلتش أوى..لما هجوع هبقى أكمل.
أومأ برأسه..ونهض لتقول شروق بلهفة
رايح فين
ليظهر الحزن بملامحها وهي تستطرد قائلة
إوعى تكون هتمشى بسرعة كدة
إبتسم قائلا
لأ أمشى فين..أنا كنت هروح البلكونة على ماتعمليلى فنجان قهوة من إيديكى الحلوين دول..أنا قاعد معاكى النهاردة وهبات كمان.
إنتفضت شروق واقفة بسعادة وهي قائلة
بجد يا مراد..بجد هتعمل كدة
قائلا بإبتسامة
بجد ياشوشو..
ليخرجها من محيط ذراعيه قائلا بخبث
ويمكن لو عجبتنى القعدة ..أقضى يومين معاكى كمان.
إتسعت عيناها من الفرحة لتصفق بجذل ثم..
إزداد إحمرار وجنتيها لتزداد جمالا فى عينيه وهي تقول بإرتباك
أنا …أنا…
رفع هامسا أمامها قائلا
إنتى تتاكلى أكل ياشروق.
هكون بأعمل إيه بس..ما أنا قلتلك..رايح أكلك ياشوشو.
إحمر وجهها خجلا لتقول بإرتباك خجول
طب إستنى لما ألم السفرة وأعملك القهوة.
جعان أوى يا شروق.
ليدلف إلى الحجرة ويغلق بابها بقدمه وعلى وجهه إرتسمت ملامح جديدة دون أن يدرى..لم يدركها وإنما رأتها شروق بكل وضوح..فهي ملامح لا يراها سوى قلب أحب بصدق… ملامح عاشق.
الفصل التاسع.
إقتربت رحمة من حجرة الصغير وكادت أن تدلف إليها لولا أن إستمعت لصوت يحيي وهو يداعب هاشم بحنو..لتقف على عتبة الباب المفتوح وتراه مانحا إياها ظهره يمرغ وجهه فى عنق هاشم فتتعالى ضحكات هاشم..وتبتسم رحمة بدورها رغما عنها وعيناها تتقابلان مع عينا الصغير الذى أشار لها مرحبا قائلا
را ..را.
تجمدت الإبتسامة على شفتيها وهي ترى يحيي يلتفت إليها وتتواجه عيناه العسليتان مع رماديتيها..لتبتلع رحمة ريقها بصعوبة وهي تراه يرفع حاجبه الأيسر متسائلا ربما عن سبب وقوفها بجوار الباب وعدم دلوفها اإلى الحجرة..تقدمت بإتجاهه بخطوات مترددة قائلة
صباح الخير.
تأمل فستانها البسيط الذى منحها مظهر برئ.. كفتاة صغيرة فى السادسة عشرة من عمرها..ليعود إلى عينيها قائلا بإعجاب ظهر فى عينيه ونبرات صوته المرحبة بها رغما عنه
صباح النور.
مدت يدها تلامس يد الصغير الذى مد يده إليها لتقول بخفوت
تسمحلى
ناولها يحيي الصبي الذى إبتسم على الفور لها ..ليستقر بين ذراعيها..تلامست يديها مع يدي يحيي الذى نظر إليها بإرتباك..فأبعدت يدها بهدوء يخالف دقات قلبها المتسارعة..أفاقت على صوت هاشم يقول
لها وهو ېلمس قسمات وجهها
را..را.
إبتسمت بحنو ليقول يحيي بهدوء
ده الإسم اللى كان بينادى بيه مامته الله يرحمها..أكيد حس إن فيكى حاجة منها.
تأملت رحمة وجه الصغير بحزن وهي تقول
الله يرحمها..راوية مفيش حد زيها.
قال يحيي ببرود
فى دى معاكى حق..بس إنتى فهمتينى غلط على فكرة..أنا قلت فيكى حاجة واحدة منها..يمكن ملامحها..لكن طبعها فمخدتيش منه حاجة أبدا.
تجاهلت رحمة تعليقه التى تدرك أنه ذم مباشر لها..وهي تقول للصبي الذى لمس وجهها مجددا
تعرف ياهاشم..ماما كانت بتحبك أوى..وأنا هفضل معاك واحدة بواحدة ..هشوفك بتكبر أدام عينية وهحكيلك بإذن الله كل حاجة عن مامى..هعرفك تفاصيل حياتها..ما هو لازم تعرفها عشان لما تكبر تدعيلها بالرحمة.
قال يحيي بسخرية
ده معناه إنك هتنفذى وصية راوية.
نظرت إلى عيونه مباشرة وهي تقول فى برود
أنا مستعدة أعمل أي حاجة عشان خاطر هاشم..حتى لو الحاجة دى هي الجواز منك يا يحيي.
إتسعت إبتسامة يحيي الساخرة وهو يقول
لا والله كتر خيرك بجد..مش عارفين نشكر أفضالك علينا..بتضحى أنا عارف.
تجاهلته رحمة مجددا وهي تركز مع الصبي الذى يجذب خصلات شعرها بشدة..لتحاول أن تبعد يده عن شعرها برفق ولكنه تمسك بها أكثر مسببا لها الألم الذى ظهر على وجهها ليراه يحيي بوضوح ..ورغما عنه إقترب منهما بسرعة ويمسك يد الصغير برفق.. يفتح قبضته بيد بينما باليد الأخرى يخرج خصلاتها من يده ويرجعهم إلى خلف أذن رحمة بحركة بدت عفوية.. إلا أنها أشعلت النيران فى قلبيهما.
.. ترجعهما لذكريات مضت..حين كانت خصلاتها تطير مع الرياح..فيمد يحيي يده ويرجعهم إلى خلف أذنها ملامسا إياها بحنو كما يفعل هكذا الآن ..بالضبط . وتغيم عينيه بنظرة عاشق راغب وبالفعل كان يترجم حبه لها برقة وحنو.
تركها فجأة وقبض على يده بقوة وهو يشيح بوجهه عنها..مانحا إياها ظهره لثوان وتاركا إياها وسط فوضى من المشاعر والحيرة..قبل أن يتجه بخطوات بطيئة للخارج..ولكنه توقف قبل أن يغادر تماما..ليلتفت إليها بجانب وجهه قائلا
ياريت تبقى تلمى شعرك وانتى مع هاشم لإنه بيحب شد الشعر أوى..ومش كل مرة هكون موجود.
لم ينتظر ردها وإنما إبتعد مغادرا..لتجلس على سرير هاشم حاملة إياه..وهي تمد يدها تضعها على خافقها المتسارع النبضات..تشك فى إمكانية أن تكون له زوجة..وتلك الذكريات تحاصرها وتجذبها إليه…….بقوة.
سمعت بشرى طرقات على باب حجرتها لتزفر بملل ثم تقول
إتفضل.
دلفت سيدة فى العقد الخامس من عمرها تبدو الطيبة على ملامحها تحمل صينية وضع عليها طعاما لتنزل الصينية على الطاولة القريبة منها وهي تبتسم فى وجه بشرى
التى رسمت إبتسامة مزيفة على شفتيها وتلك السيدة تقترب منها وتجلس على السرير بجوارها قائلة فى طيبة
إزيك يابنتى دلوقتى..بقيتى أحسن.
أومأت بشرى برأسها قائلة
الحمد لله ياست آمال..جو الريف جميل أوى وفعلا حاسانى من يوم ما جيت هنا.. إتحسنت كتير .
ربتت السيدة آمال على يد بشرى قائلة
ولسة كمان لما تاكلى أكلنا..وتقعدى معانا أكتر هتتحسنى يابنتى..ده انتى كنتى جاية وشك أصفر ..لون اللمونة بالظبط..الحمد لله.. الدموية ردت فى وشك وبقيتى زي الفل.
كادت بشرى أن تصرخ من كثرة كلام تلك السيدة..تقول فى نفسها ..يالها من سيدة ثرثارة.. كيف أصمتها
لتكتفى بإيماءة بسيطة برأسها كإجابة وبإبتسامة باهتة حتى تمل آمال وترحل وبالفعل نهضت السيدة آمال وكادت أن تغادر ولكنها توقفت وإستدرات إلى بشرى قائلة
إنتى كشفتى يابنتى
عقدت بشرى حاجبيها قائلة
كشفت
أومأت آمال برأسها قائلة
أيوة ..فى البندر عند الدكتورة..لتكونى حبلى.
جزت بشرى على أسنانها وتمالكت أعصابها وهي تقول
ايوة كشفت ومفيش حاجة من الكلام ده خالص..هم شوية برد وأنيميا وبالعلاج هبقى تمام..وبعدين أنا مش قلتلكم ان مراد مأجل موضوع الخلفة ده شوية.
قالت آمال بإستنكار
وليه بس يأجله..مش يفرح بضناه وهو فى عز شبابه ولا هيستنى لما يكبر وإنتى تكبرى ويبقى خطړ عليكى الخلفة..ساعتها بقى هيفكر يجيب عيال
كادت بشرى أن ټقتل تلك السيدة ولكنها تمالكت أعصابها وهي تقول
لما هروح البيت هكلمه فى الموضوع ده ياست آمال.
إبتسمت آمال قائلة
أيوة كدة يابنتى..أوعى تسيبيه عايش كدة بالطول والعرض..ويسافر ويسيبك كل شوية..إسمعى كلامى يابنتى. من غير ما تربطيه بالعيال بيبقى جوزك مش جوزك..الراجل من دول لو مربطتوش مراته بحتة عيل..بيبقى سهل على أي حرمة تخطفه ..ويضيع منها وتبكى بدل الدموع ډم.
لم تجيبها بشرى وهي تفكر فى كلام السيدة آمال..لتغادر آمال بهدوء بينما كانت بشرى شاردة فى كلماتها التى ذرعت بذور القلق فى قلبها..ترى هل من الممكن أن تخسر مراد من أجل الأطفال..هل من الممكن أن يتركها من أجل عدم إنجابها..فربما عاد عدم إهتمامه بها لإنه ادرك أنها أرض بور لا يمكنها أن تمنحه طفلا..وريثا له..حتى أنه لم يهتم برحيلها ولم يحادثها ولو لمرة واحدة طوال وجودها فى هذا المكان..لترفض هذا الإحتمال فهي تدرك أنه يحب تلك الفتاة الحرباء..وإن تزوج سيتزوجها هي..لتتسع عينيها فى صدمة..ماذا لو…..
لترفض أيضا هذا الإحتمال فرحمة تعشق يحيي ولن ترضى بمراد زوجا لها..ولكن هي تزوجت هشام من قبل وقد كان أخيه أيضا..لذا من الممكن أن تتزوج مراد الآن..لتنفض افكارها وهي تخبط رأسها بخفة قائلة
أمال لو مكنتيش إنتى