الراعي الصغير
قالت في نفسها ليس من حقي فتح هذه الورقة..لكن مامعنى هذا ..لم تشعر حتى وجدت نفسها وقد فتحتها، إنها رسالة مكتوبة بخط رديئ ، لكن الكلمات كانت واضحة :
“الى امي الحبيبة
اما بعد
لقد مرت سنتين على وفاتك و منذ تسعةٍ وعشرين يوماً و أنا أكتب لك هذه الرسائل ..
كنت أتمنى أن تتغير الأوضاع ..وأن يحن قلب زوجة أبي أوأن ينتبه أبي لمعاناتي…لكن لا شئ من هذا حصل ..فالمعاناة تزداد كل يوم…إنني أختنق يا أماه…
أستحم كل يوم بالماء البارد ..ويتم حك جلدي بفرشة خشنة تستعمل لغسل الملابس
والأسوء من هذا ، هو التفنن في معاقبتي والتلذذ بذلك كل يوم..
هربت عدة مرات، لكنهم يجدونني ويتم ارجاعي الى الجحيم…
أصبح جسدي وردي اللون ، تتوسطه دوائر خضراء ، أنام في الحضيرة كنوع من العقاب
يتم إرسالي لرعي الغنم باكرااا دون أن أتناول وجبة الفطور..لذا يكون لزاماً علي أن أستيقظ ليلا لسرقة بعض الخبز ، إنه الجوع يا أمي…وأثناء الرعي أمسك معزة ولود..فأقوم بنزع الغطاء عن ثديها…وانبطح تحتها ممسكا قطعة الخبز المسروقة ،ثم أفطر كالحيوان
أماه ! الحياة من دونك لا تطاق و الهواء يمر من أنفي بصعوبة …انا قادم اليك ،فلم يتبقى الا يوم واحد وينتهي هذا كله ، مع حب ابنك سيف ”
لم تستطيع السيدة إمساك نفسها ،و بدأت يداها ترتجفان و هي تردد ..
-يا الهي انه سيقتل نفسه
..جسمها بالكامل بدأ يهتز، و كأن زلزالا قوياً ضرب بداخلها فأيقظ كل مشاعرها الميتة ….أحست أنها وباقي البشر بلا ضمير ،بلا روح ، أنانيون …أحست بالقرف من نفسها لأنها وبخته بتلك الطريقة القاسية ،بالطبع فقد زادت من معاناته ، شعرت أن الرسالة موجهة إليها،
انحنت مرة أخرى نحو الحفرة الصغيرة وسحبت منها باقي الرسائل ، كانت كلها تصف معاناة الفتى وطرق التعذيب الفظيعة التي حصلت من زوجة أبيه ، استنتجت أنه يسكن بأحد المنازل البدوية التي توجد نواحي المقبرة…وأنه كان يراسل أمه لمدة شهر يطلب منها النجدة…وأنه عندما ينتهي شهر سوف ينهي حياته ليلتحق بها .
عزمت السيدة على إنقاذه ..حتى لو اضطرت الى خطفه …
قررت أنها سوف تعود في الغد ..فلقد كتب أنه بقي يوم واحد وينتهى هذا كله…اي أنه سوف يعود غدا ومعه الرسالة رقم ٣٠…
لكنها هذه المرة غيرت شكلها ..لبست لباسا أبيضاً فضفاضاً مطرزاً ببعض الورود…ووضعت وشاحاً أحمر على رأسها كانت تحاول أن تبدو كسيدة لطيفة وطيبة عكس تلك التي وبخته … وصلت صباحاً الى قبر ابنتها فبدأت تحدثها عما جرى للفتى المسكين ، فجأة ظهر في مرمى نظرها…كانت مشيته الثقيلة تدل على أنه في حالة يأس تام…فكرت بعدة طرق لتقترب منه …