غرامٌ أعمى
علِمتُ مِن فاديا أنّها تعملُ في متجَر صغير، وأنّها إبنة عائلة كبيرة مِن حيث عدد أفرادها، وأنّها لَم تستطِع مُتابعة عِلمها بسبب حاجتها إلى المال. ومِن دون أن أفكّر، قلتُ لها تلقائيًّا:
ـ لن تطول حاجتكِ إلى المال، أريحي بالكِ.
نظرَت إليّ الصبيّة بتعجُّب، فأخذتُ بِيَدها إلى حلبة الرقص ورقصنا حتى ساعات مُتأخِّرة من الليل. ومنذ تلك الأمسية، صِرنا سويًّا نتقاسمُ كلّ شيء مِن أسرارنا إلى أحلامنا. أحبَبتُ فاديا لشخصها ولِما تُمثِّله مِن براءة وإثارة. فكنتُ أجِدُ إثارة كبيرة بوجودي معها إذ أنّني أعيشُ حياة لَم يكن يجدرُ بي أن أختبرُها: الحياة العاديّة.
رفَضَ أبي تلك العلاقة بعد أن سألَني: “إبنة مَن تكون هذه الصبيّة؟” وأجَبتُه: “إبنة جزّار في ضواحي العاصمة”. للحقيقة هو كادَ أن يختنِق مِن المُفاجأة والاستنكار، وأجابَ بجديّة تامّة: “ستقطعُ علاقتكَ بها على الفور”. هكذا كان والدي، يُعطي الأوامر مِن دون تفسير أو حجَج. شعرتُ بِدَمي يغلي في عروقي فالتجأتُ إلى أمّي شاكيًا وباكيًا، وهي بكَت معي ربّما لأنّها تذكَّرَت أنّها لَم تعرِف الحبّ يومًا وبقيَ ذلك الأمر يؤلمها بشكل دائم. وعدَتني بأنّها ستُهدّئ مِن غضب أبي لكنّها فشلَت طبعًا.
بعد ذلك زادَ إصراري على فاديا، ورحتُ أتعرّف إلى أهلها الذين رحبّوا بي ونادوني بالـ “صهر” على الفور. كنتُ أعلَم أنّهم اعتبروني تذكرة خروج ابنتهم مِن الفقر، لكنّني لَم أكن أعلَم أنّهم رأوا بي مصدر ربح دائم. فبعد أيّام معدودة، بدأَت تنهال الطلبات عليّ بشأن ديون لا يستطيعون تسديدها، إلى حاجتهم إلى مُشتريات عديدة وتحسين في مسكنهم. إلا أنّني كنتُ لا أزال في الجامعة ولا مدخول لدَيّ سوى المصروف الذي أتقاضاه مِن أبي، المصروف نفسه الذي أعطَيتُه بالكامل لفاديا وأهلها. بقيتُ أرى حبيبتي بالسرّ، ويوم أطلعَني والدي على وجود احتمال أن أتزوّج مِن ابنة صديقه الثريّ، إدّعَيتُ القبول لأستطيع أن أسحَب منه بالمال لأعطيه لعائلة فاديا. خرجتُ مع “خطيبتي” بكلّ طيبة قلب ومثّلتُ دور العاشِق، وأخذتُ مُقابِل ذلك مبالغ لا بأس بها مِن أبي الذي كان ممنونًا منّي كثيرًا.