غرامٌ أعمى
شخص واحد علِمَ بعلاقتي بفاديا: والدي. فرجُل أعمال مثله يصعبُ التلاعب به، وإلا لمَا بلَغَ هذا الحدّ مِن النجاح والثراء. فهو بدأ يشكّ بأنّ شيئًا يحصل، فاستعانَ بتحرٍّ خاص طالبًا منه مُراقبتي وتزويده بتقرير أسبوعيّ. وانتهى به المطاف أن عرفَ بما يجري فطلبَني يومًا إلى مكتبه قائلاً:
ـ ستتوقّف عن رؤية تلك الماكِرة. نعم، أعلمُ بعلاقتكَ أو بالأحرى خيانتكَ.
ـ حسنًا، ما دُمتَ على علم بكلّ شيء، إعلَم أيضًا أنّني لا أنوي ترك فاديا. لستُ خائفًا منكَ يا أبي فحبّنا كافٍ لإسعادي.
ـ كَم أنّكَ غبيّ! أخجلُ منكَ، فلا يجدرُ بكَ أن تكون ابني! أنتَ مِثل أمّكَ تعيشُ في عالَم خياليّ! إصحَ!
ـ أحبُّها وأُريدُها!
ـ سترحَل مِن شركتي على الفور ولن تحصل على قرش واحد! أعلمُ أنّكَ ستعودُ إليّ باكيًّا لِذا لن نقولَ لزوجتكَ الحقيقة بل أنّكَ مُسافِر بداعي العمَل. هيّا!
ـ لن أعودَ أبدًا!
غضِبَت فاديا إلى أقصى درجة حين رأتني قادمًا إليها مع حقائبي، وعملتُ جهدي لإفهامها أنّنا سنكون بخير حالما أجدُ عمَلاً. ألَم أكن أحملُ شهادة جامعيّة؟ تبًّا لمال أبي! عشتُ وأهلها الذين عاملوني بجفاف غير اعتياديّ، وامتنعَت فاديا عن مُعاشرتي طالما لَم أُتابِع مدّهم بالمال بأيّة طريقة. سُعِدتُ بإيجاد عمَل في شركة بسيطة، إلا أنّ الراتب لَم يكن كافيًّا لهؤلاء القوم الذين صاروا يُعاملوني بازدراء ويوجّهون لي الملاحظات المؤذية جدًّا. مرَّت حوالي السنة على هذا النحو، كنتُ خلالها أُكلّمِ زوجتي وابني وأقولُ لهما إنّني أعملُ بكدّ في الخارج مِن أجلهما، فقط كَي لا أسبّب لهما التعاسة والشعور بالتخلّي. كان أبي يُعطيهما المال وكأنّه منّي ليُصدّقوا الكذبة. أُصبتُ بالكآبة لأنّ حبيبتي لَم تعُد تُحبُّني على الاطلاق، بل تتصرّفُ وكأنّني لستُ موجودًا وتخرجُ مع شلّتها لتعود في آخِر الليل وتنامُ في غرفة أخرى. كنتُ قد أصبحتُ عبئًا على أهلها وحجَر عثرة في طريق سعادة عشيقتي. لكنّني تمسّكتُ بها آملاً بأن تُحبّني مِن جديد بعد أن تعي تضحيّاتي.
إلا أنّني وجدتُ يومًا أمتعتي خارج البيت حين عدتُ مِن عمَلي، وفاديا تقولُ لي إنّها وجدَت رجُلاً آخَر أكثر كرَمًا منّي. وهي هدّدَتني بأنّها ستطلبُ الشرطة إن ضايقتُها أو أن حاولتُ الاتصال بها. شعرتُ بالخذلان واليأس وبكيتُ كالطفل وأنا أتوسّل إليها، إلا أنّها أقفلَت الباب بوجهي.
سكنتُ لفترة في شقّة صغيرة، فقد تُغيّرُ فاديا رأيها، لكنّها لَم تفعَل بل علِمتُ أنّها تزوّجَت وسافرَت. عندها رحتُ أدقُّ باب أبي الذي ابتسمَ حين رآني واقفًا أمامه. هو لَم يقُل شيئًا بل أخَذَ هاتفه واتصلَ بزوجتي ليقولَ لها إنّني سأعودُ قريبًا مِن السفَر.
إستقبلَتني زوجتي بفرَح عارِم وكذلك ابني وشعرتُ أنّني بالفعل عدتُ إلى داري. لَم أعلَم إلا بعد سنوات طويلة أنّها كانت تعرِف لماذا غبتُ عن البيت، ووثِقَت بأبي حين هو أكّدَ لها أنّني سأعودُ إليها حتمًا.
أخجلُ مِن نفسي لِما فعلتُه وكيف تمّ استغلالي. كدتُ أن أفقِدَ كلّ الذين يُحبّوني فعلاً، لأنّني كنتُ أعمى لِما يجري ويُحاك لي. فاديا كانت حبّي الأوّل وتجربتي الجنسيّة الأولى، ولَم أعرِف أنّ الحياة ستُعطيني الأفضَل والأنظَف. صحيح أنّني كنتُ غبيّاً!