الجيل القديم VS الجيل الجديد

الكراسي، الكنب، وحتى المكاتب لم تعد كما كانت. إذا كنت من الجيل القديم، يمكنك الجلوس على أي كرسي دون أن تشعر بأنه على وشك
الاڼهيار تحت ضغطك. أما نحن؟ نحتاج إلى كراسي مصممة خصيصًا لتحمل “الأوزان الثقيلة”. بعضنا يجلس على الكنبة ويشعر وكأنها ستتحول إلى أرجوحة في أي لحظة.
الخلاصة: “كبرنا وما زلنا نكبر!”
في النهاية، الجيل الجديد ليس فقط أكبر في الحجم، بل أيضًا أكبر في التحديات. نواجه مشــ,,ــاكل تقنية مع هواتفنا، ونحاول دائمًا إيجاد حلول لتوفير مساحة في السيارات، ونبحث عن مــ,,ــلابس تناسبنا دون أن نبدو وكأننا نرتدي خيمة.
ربما علينا أن نشكر الطبيعة لأنها جعلتنا “أكثر وضوحًا” في العالم، لكنني شخصيًا أتمنى أن تعيد النظر في حجم الكراسي قبل أن نضطر جميعًا للجلوس على الأرض!

لا شكّ في أننّا أضحينا في عصر العلوم والفنون التي لا يستطيع أحدنا التخلف عنها. وبما أنّ هذه التّطوّرات تأتي عادةً وليدة الجيل الجديد، فإنّ الأجيال السّابقة مجبرة على تبنيها بغية تسهيل أمورها الحياتيّة، مثل الإنترنت وغيرها ممّا أصبح في متناول الجميع. ولكي يتمكّن الجيل الجديد من الإبداع بحداثة، عليه أن يستوعب ما أنتجه الجيل السابق، وهذا الاستيعاب يجب أن يكون نقدياً غير قائم على التسليم بكل ما أنتجه السلف. والقراءة النقدية تقوم على تحليل خطاب الجيل القديم وما أتى به والأخذ بالجيّد وترك السيئ جانباً، وهذا ما سيؤدي إلى بناء تراكمي للمعرفة والخبرة والثقافة عند الجيل الجديد. كما ينبغي للجيل المعاصر الإبقاء على شيء من تراث الأجداد وثباتهم، لا باعتناق العادات والتقاليد البالية، بل بالمحافظة على الإرث الحضاري المتأصّل والتشبث بالأرض والهوية.

الحق أنني ألوم الجيل القديم، وأنا منهم، على أننا لم ننقل للأجيال الراهنة كثيراً من عاداتنا وتقاليدنا الأصيلة، وكذلك غفلنا عن تعريفهم بموروثاتنا السلوكية والخلقية؛ تلك الفضائل التي تلقيناها عن آبائنا وأجدادنا، مثل الإحسان في التعامل واحترام الكبير وحق الجار والأمانة وواجب الضيف وغيرها الكثير الكثير، وأيضاً لم نعرّفهم على تفاصيل كثيرة في حياتنا الثرية التي عشناها في الستينيات والسبعينيات، ومع ذلك نريد أن نكون قدوة لهم!
أعتقد أن الطفرة الاقتصادية ألهتنا عن القيام بهذا الدور، وانصب اهتمامنا في الأمور المادية أكثر من غرس القيم في أبنائنا وأحفادنا. أما فيما يخص ما تعلمناه من جيل الشباب، فهو يتجلى في التعلم من طموحهم الذي لا يعرف الحدود، سواء في العلم أو التجريب في أعمال جديدة؛ وهذه فضيلة تدعو للفخر بالجيل الحالي. فهم يسعون إلى العلم ونيل الشهادات والمعارف، ويقدمون على الأعمال المهنية واليدوية والحرفية بكل شجاعة وعدم خجل من مزاولتها؛ ولكن هناك مسائل أخرى في حياتهم علينا نحن الكبار أن نقوّمها ونرشدهم فيها.

يتعامل الأهل دائماً مع أولادهم الصغار بما فيهم الشباب من منطلق أنهم يملكون الحقيقة المطلقة في غالبية الأمور خاصة الاجتماعية منها. من هنا يأتي السؤال: هل حقاً يستفيد الجيل الجديد من الأجيال التي سبقته؟
ولا يقتصر الأمر على الأهل فقط بل يتعدَّاه إلى الحياة بكل مشاربها، انطلاقاً من الأمور الاجتماعية مروراً بالاقتصادية والتكنولوجية والأدب والفلسفة والتاريخ.
في الواقع، نادراً ما يكترث الجيل الجديد أو يهتم بمن سبقه. ففي نظر كل جيل جديد أنّ من سبقوه هم مجرد موتى. ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت باتت الثقة بهذه الوسائل أكبر مما هي عليه بنصائح وعظات الجيل القديم. لكن، ومع عدم معرفة غالبية الجيل الجديد وإقراره بما قدّمه الجيل القديم على كافة الصعد، فإنهم ومع تقدُّمهم في الحياة يدركون أكثر فأكثر، أن الحضارة هي عبارة عن سلسلة انطلقت مع وجود الإنسان على هذه الأرض.

الصفحة السابقة 1 2
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى