ولا ينتصِر إلا الحب
بعد مرور سنتَين على زواجي، خطَرَ ببالي أن أُجريَ فحوصات خصوبة ورحتُ سرًّا إلى المُعاينة. واتضَحَ أنّ زوجي هو العاقِر على الأرجح ، ولَم أتردّد عن اطلاعِه على الأمر بعد أن سمِعتُ التلميحات البشِعة منه ومِن أمّه حول عدَم تمكّني مِن جَلب مولود إلى الدنيا، وكان قد حانَ وقت الانتقام! فبعد أن علِمَ إيهاب وحماتي مَن لا يُنجِب، تغيّرَت المُعطيات تمامًا، فخافا أن يُفضَحَ الأمر وأن يعتبِرَ الناس إيهاب ناقص الرجولة. إستفَدتُ كثيرًا مِن الوضع وصِرتُ الآمِرة الناهية في البيت. عندها أعرَبتُ لزوجي عن رغبتي في العمَل، هو لَم يُمانِع مع أنّ والدته لَم ترَ الأمر بعَين إيجابيّة.
وجدتُ عمَلاً في مصنع يبعُدُ بضع كيلومترات عن المنزل، ولأوّل مرّة صارَ لي أصدقاء وتخالطَتُ مع الناس، فتغيّرَت نفسيّتي إلى الأفضَل. علِمتُ أيضًا أنّني حسنة الملامِح، فحتّى ذلك الحين كنتُ أعتقدُ فعلاً أنّني قبيحة. أليس ذلك ما ردّدَته لي خالتي طوال مدّة عَيشي معها؟ بتُّ إنسانة جديدة مِن الداخل والخارج ورأيتُ الحياة مِن نظرة مُختلفة. كَم مِن الوقت ضاعَ منّي! لكن ما تبقّى مِن حياتي كان بانتظاري، ووحدي كنتُ قادرة على التحكّم بها، أجل، أنا وحدي!
عندها خطَرَ ببالي سامِر وحبّه غير المشروط لي، فهو الوحيد الذي رأى الإنسانة فيّ، وقرَّرَ ربط مصيره بي مِن دون أن يتبادَل معي الكلام. أين هو الآن؟ هل هو تزوّجَ ولدَيه عائلة؟ كان الجواب سهل الحصول عليه، لِذا رحتُ يومًا إلى حيّنا القديم، ودقَّيتُ باب جيراننا وقلبي يخفقُ بقوّة. فتحَت لي أخت سامِر لكنّها لَم تتعرّف عليّ، فلا تنسوا أنّ خالتي كانت تجبرُني على إخفاء ملامحي كلّها. عرّفتُها عن نفسي فعانقَتني بقوّة وأدخلَتني إلى البيت. جلتُ بنظري يمينًا ويسارًا، على أمَل أن يظهَر سامِر أمامي إن كان موجودًا طبعًا، وعلِمَت الصبيّة عمَّن أفتِّش. هي لَم تقُل شيئًا بل راحَت تُنادي والدَيها اللذَين استقبلاني بحرارة. فهما كانا يعرفان عن مشاعر ابنهما تجاهي آنذاك وكيف أنّ رهَف أرغمَتني على الزواج مِن غيره، إلا أنّهما بقيا يعتبراني عروس ابنهما. لَم أسأل عن خالتي بالرغم مِن أنّني كنتُ أجهَل أخبارها، بل سكتُّ لِثوانٍ طويلة قَبل أن أسأل الأمّ:
ـ ما أخبار سامِر؟ أرجو أن يكون سعيدًا حيث هو.
ـ سامِر؟ إنّه هنا.
ـ هنا في البلَد؟
ـ في البيت، في غرفته.