ولا ينتصِر إلا الحب

أعربَت رهَف عن انزعاجها مِن هؤلاء الجيران الجدُد، خاصّة أنّ الأمّ والابنة كانتا ترتديان ملابس عاديّة، فوصفتهُما بالـ “فاسِقتَين” وبكلمات مُجرِّحة أخجَل مِن البوح بها. علِمتُ على الفور أنّه سيكون ممنوعًا عليّ مُخالطة جيراني، إلا أنّني أخفَيتُ عنها تعارفي عن بُعد على سامِر.

وصِرتُ أتصبَّح بسامِر وأتمسّى به وكان ذلك يكفيني، فمتطلبّاتي في ذلك السنّ وتلك الظروف كانت بسيطة، إذ كان ذلك كافيًا لأشعُرَ أنّني لَم أعُد وحيدة، تمامًا كالسجين الذي يستأنّس بالحمامة التي تحطُّ على قضبان حبسه المُظلِم.

مرَّت السنوات وصِرتُ مُراهقة لا أفُق لها… فعندما اختفى سامِر فجأة عادَت الظلمة إلى قلبي. لَم أعرِف ما حلّ به إلى حين التقَيتُ بأخته صدفة في الدكّان الموجود في الحَي، عندما مرضَت خالتي وبعثَتني لِجلب حاجيات البيت. فحتّى ذلك الحين كان لا يزال الخروج ممنوعًا عليّ. إقتربَت أخت سامِر منّي وهمسَت في أذني: “هذه الرسالة هي مِن أخي… إقرَئيها وأعطِني الجواب غدًا في الساعة نفسها هنا في الدكّان”.

ركضتُ إلى البيت كالمجنونة، وبعد أن وضعتُ الحاجيات في الخزائن والثلاجة وخدمتُ المريضة وتأكّدتُ مِن أنّها نائمة، قصدتُ غرفتي وقرأتُ الرسالة وقلبي يدقُّ كالمجنون: “أنا لَم أترككِ بل ذهبتُ إلى الجامعة وأسكنُ عند عمّتي في المدينة المُجاوِرة. سأعودُ لبضع أيّام خلال الفرصة الشتويّة. هل تشعرين حيالي بما أشعرُ به حيالكِ؟ جوابكِ مهمّ بالنسبة لي. أنتظر ردّكِ، سامِر”. سامِر… هذا إسمه إذًا! بكيتُ مِن كثرة فرَحي، فكان مِن الواضح أنّ ذلك الشاب يُحبُّني. لكن لماذا؟!؟ ماذا رأى بي أو منّي؟ فلَم نتبادَل كلمة واحدة وهو لَم يرَ كامل وجهي أو جسدي، بل فقط عَينَيّ وأحيانًا بسمتي وبصورة خاطفة!

الصفحة السابقة 1 2 3 4 5 6 7الصفحة التالية
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى