رواية ماوراء الصمت بقلم ألاء حجازي

اللي بينه وبينها مش مجرد غيرة
ده حاجة تانية خالص
حاجة بيحاول يخبيها وهي بتحاول تتجاهلها.
ومع قرب نهاية السنة الكلية كلها كانت بتحضر للحفلة الكبيرة
حفلة النجاح والختام والتكريم.
لكن جوا كل واحد فيهم
كانت فيه حفلة تانية شغالة
حفلة مشاعر وأسئلة ونظرات
لسه محدش فيهم قادر يعترف بيها.
تاني يوم كانت الشمس بدأت تغيب والكلية خلاص بتفضى من الطلبة
وفرح لسه قاعدة في المعمل بتراجع آخر التقارير
صوت الكيبورد خفيف وهي غرقانة في تركيزها
لحد ما سمعت صوته من وراها
انتي مش بتتعبي!
قالها معتز وهو داخل بخطوات هادية
واقف عند الباب سايب ضهره على الحيطة وابتسامة خفيفة على وشه.
من غير ما ترفع عينيها قالت ببرود
بتعب بس الشغل مش هيخلص لوحده.
قرب منها وقال وهو بيحاول يخفف الجو
طيب ارتاحي شوية الدنيا مش هتطير.
بصت له بسرعة وقالت
لو كل مرة جيت قلتلي الكلمة دي محدش فينا هيشتغل.
ضحك وقال
والله انتي بقيتي بتردي كأنك ظابط مش دكتورة.
وبعدين وقف جمبها وقال بنبرة فيها جدية خفيفة
على فكرة يا فرح أنا ابن عمك
يعني مش غريب ولا حد مالوش لازمة عشان تتكلمي معايا بالطريقة دي.
رفعت حاجبها وبصلته نظرة كلها هدوء وسخرية في نفس الوقت وقالت
ابن عمي في البيت مش في الشغل يا دكتور معتز.
هنا إحنا زملاء وكل واحد له حدوده.
سكت لحظة كأنه بيحاول يستوعب ردهاأو بيحاول يقرأ اللي في وشها
بس اللي شافه زوده حيرة أكتر
نظراتها كانت فيها حاجة مش مفهومة
فيها غموض يخليه مش عارف هي بتكرهه
ولا بتتحداه
ولا في حاجة تانية مستخبية ورا عينيها الهادية دي.
وبعدين قال بابتسامة فيها غيظ خفيف
تمام بس ما تنسيش إن حتى في الشغل أنا برضه مش حد غريب.
ردت وهي بتجمع الورق
ممكن تكون قريب پالدم بس القرب مش باللقب القرب احترام.
هو اتنفس بعمق وقال بنبرة فيها مزيج من دهشة وابتسامة باهتة
دايما عندك رد جاهز.
قالت وهي بتعدي جنبه
مش رد بس الحقيقة ساعات بتحتاج حد يفكرنا بيها.
وقبل ما تمشي سمعها بتقول لنفسها بصوت واطي
استر يا رب كل يوم لازم مشادة جديدة.
بص وراها وهي خارجة
ولما شافها ماشية بخطوات واثقة كده
ابتسم ابتسامة صغيرة وقال لنفسه
والله يا فرح إنتي اللي مش هتعرفي تخليني أهدى.
وجه اليوم المنتظر.
الكلية كلها متزينة المسرح مليان أنوار
الطلبة لابسين أشيك ما عندهم
وفرح واقفة بين زملائها شايلة ورق التكريم
تحاول تبين هدوءها المعتاد لكن جواها توتر غريب.
بدأت الحفلة.
الكلمات التصفيق الأغاني الخفيفة
كل حاجة ماشية بسلاسة.
لحد ما جه اسمها.
الدكتورة فرح واحدة من أنشط الباحثين في الكلية.
صوت التصفيق دوى في القاعة.
طلعت على المسرح بخطوات واثقة
ابتسامتها خفيفة لكنها صافية
استلمت الشهادة من عميد الكلية
وقالت كلمتين شكر بسيطات.
كانت خلاص نازلة من على المسرح
بس فجأة النور خف والموسيقى وقفت.
الناس بدأت تبص حواليها مستغربة.
وبعد ثواني النور ركز على شخص طالع على المسرح
معتز.
واقف قدام الميكروفون لابس بدلة شيك
نظراته موجهة ناحيتها بس.
القاعة كلها سكتت.
كل العيون راحت عليهم.
مشى خطوتين لقدام
مسك المايك وقال بصوت ثابت
بس باين فيه رعشة خفيفة من التوتر
يمكن النهارده يوم تكريمك كدكتورة
بس أنا عايز أخليه يوم مميز في حياتي أنا كمان.
الناس بدأت تتهامس
وفرح واقفة مصډومة مش فاهمة هو بيعمل إيه.
كمل كلامه وصوته بقى أهدى بس مليان إحساس
أنا كنت غلطان لما حكمت عليك قبل ما أعرفك
وغلطان أكتر لما فضلت شايفك بعين غير الحقيقة.
بس النهارده قدام الكل
عايز أقولك إنك علمتيني يعني إيه الاحترام
وإن الجهل الحقيقي مش في التعليم
في إن الواحد ما يعرفش قيمة اللي قدامه.
وببطء
طلع من جيبه علبة صغيرة
فتحها وظهر فيها خاتم بسيط جدا بس أنيق
وبعدين نزل على ركبة واحدة قدامها وقال
دكتورة فرح
تقبلي تتجوزيني
يتبع.
_كتورة فرح
تقبلي تتجوزيني
القاعة كلها كانت ساكتة
ولا صوت غير دق قلب فرح اللي بقى عالي أوي في ودانها.
إيد معتز ممدودة والخاتم فيها بيبرق تحت نور المسرح.
الناس بدأت تسقف وتضحك
وفيه اللي بيهتف قوليله أيوه يا دكتورة!
وفيه اللي بيصور بالموبايل.
هي خدت نفس طويل
ولفت عينيها على الناس حواليها
كلهم منتظرين كلمة منها.
رجعت تبصله
وشه فيه مزيج غريب بين الثقة والرجاء
زي اللي بيحاول يخبي خوفه بابتسامة.
خطت خطوة لقدام
مسكت المايك بإيدها
وصوتها كان هادي بس فيه ارتباك باين جدا
يا دكتور معتز
الناس سكتت أكتر
فيه اللي قرب الكرسي لقدام عشان يسمع.
كملت كلامها وهي بتحاول تثبت نفسها
أنا مش عارفة أقولك إيه بصراحة.
يعني الموقف ده محرج جدا
خصوصا قدام كل الناس دي.
وبعدين كملت بقوة وهي بتبصله بثبات
هو كمان أنا مش فاهمة بصراحة
إيه اللي يخليك تطلع على المسرح وتطلب حاجة زي دي قدام الناس كلها
من يجي شهرين تلاتة كنت بتقول إني جاهلة
مش كده
كنت بتضحك على إني بنت بلد بسيطة
وإن التعليم مش ليا صح
وشه اتبدل والدنيا سكتت تماما.
هي كملت بصوت واضح وواثق أكتر
بس الظاهر إنك لما عرفت إني دكتورة رأيك اتغير.
يعني التعليم بقى هو المقياس عندك
مش الأخلاق مش الأصل
مش الإنسانية.
رفعت راسها وقالت وهي عينيها فيه
بس عارف
الجهل اللي بتتكلم عنه ده مش في الكتب يا دكتور معتز
الجهل الحقيقي إنك تفتكر إن مكانة الإنسان تتقاس بالشهادة مش بالعقل
ولا بالقلب
ولا بالطريقة اللي بيعامل بيها الناس.
الناس كلها كانت في صدمة.
فيه اللي فتح بقه
وفيه اللي بص لمعتز مش مصدق اللي بيحصل.
هي كملت وهي بتدي المايك للي جنبها
وأنا آسفة
بس مش ممكن أوافق على حد شاف في الجهل قبل ما يشوف إنسانيتي.
نزلت من المسرح بخطوات ثابتة
ولا بصت وراها ولا لحظة.
والتصفيق اللي كان لمعتز في الأول
اتحول ليها.
كل الناس سقفوا مش إعجابا بالمشهد
لكن احتراما للبنت اللي وقفت وقالت لأ بصوت البنت اللي اتظلمت زمان.
أما معتز
فضل واقف الخاتم في إيده
وشه اتجمد
وهو سامع الهتاف بيملى القاعة
برافو يا دكتورة فرح!
خرجت فرح من الحفلة قلبها بيخبط في صدرها والناس لسه بتسقف وبتضحك وبتصور.
بس هي كانت حاسة إنها خرجت من حلم مش بتاعها.
رفعت راسها للسما وقالت بهدوء وهي بتحاول تسيطر على دموعها
الحمد لله يا رب الحمد لله إني ما وقعتش في الغلط الحمد لله إني ما وافقتش.
مشيت في الشارع اللي كله أنوار بس جواها ظلام ملوش آخر.
كانت بتحمد ربنا من قلبها إنها وقفت وقالت لأ حتى لو اتوجعت شواية.
رجعت البيت خدت نفسها بالعافية ودخلت أوضتها قعدت على السرير افتكرت
الليلة دي اللي كانت فيها قاعدة في أوضتها من كام يوم
ولسه بتحاول تفهم موضوع ياسين
فلاش باك.
كانت قاعدة بتفكر في ياسين
و بتقول لازم أبعد لازم أبطل أفكر فيه مش معقول أفضل متعلقة بحد مستحيل.
كنت بحاول أهرب من تفكيري فيه كنت عايزة أعيش بهدوء.
قامت تشرب ميه والدنيا ساكتة مفيش غير صوت عقارب الساعة.
فجأة وهي معدية من قدام الشباك سمعت صوت بيقول اسمها
فرح فرح كل اللي في الكلية فرح!
وقفت قلبها دق بسرعة.
الصوت طالع من أوضة معتز كان بيتكلم في التليفون
فخطت بخطوات بطيئة ناحية الباب
وقفت قريب من الشباك المفتوح شوية وسمعته بوضوح.
صوته كان مليان غل مكتوم وهو بيقول
يا عم أنا زهقت من فرح
بقيت سامع اسمها في كل حتة كل الناس بتتكلم عنها
فرح قالت فرح عملت فرح خلت
كلهم بيشكروا فيها!
بقت نمبر وان بعد ما أنا كنت نمبر وان
اتخنقت مش عارف أعمل إيه!
سكت لحظة وكأن فكرة خبيثة خطرت على باله
وبعدين قال بصوت واطي بس مليان مكر
بس لقيتها
لقيت الحل يا صاحبي.
اتنفس ببطء وقال بعدها
أنا قررت أتجوزها.
أيوه أتجوزها وآخد الدكتوراه اللي بتحضر فيها دي وأقدمها باسمي
والله فكرة جهنمية!
وآهو بالمرة أتقدملها يوم الحفلة
قدام الناس كلها قدام الدكاترة والطلبة
وهي أول مرة تشوف الجو ده
أكيد هتوافق!
دي مش بعيد تبوس إيدي ووشي وظهر كمان!
ضحك ضحكة سامة وقال
فلاحة أول مرة تشوف الحاجات دي
وأنا كده أكون ضړبت عصفورين بحجر واحد
أقعدها في البيت وأخد الدكتوراه وأستريح من زنها في الكلية والمقارنة بيها.
والله عليك يا معتز وعلى تفكيرك!
الډم جمد في عروقها
حست بكهربا في جسمها كله
رجعت خطوة لورا وهي ماسكة قلبها بإيدها.
وشها كان شاحب بس عينيها ولعت ڠضب.
مش مصدقة اللي سمعته
الإنسان اللي كانت بتحاول تتعامل معاه بأدب واحترام
بيخطط يدمرها ويمسح تعبها بكلمة!
وقفت قدام المراية وقالت بصوت واطي مبحوح
انت غلطت في مين يا معتز
غلطت في البنت اللي عمرك ما كنت تستاهل حتى تبص لها.
عودة من الفلاش باك.
قامت فرح من مكانها وكانت حاسة إن نفسها اتقطع.
دموعها نزلت من غير ما تحس ومسحتها بسرعة وهي بتهمس
كفاية بقى كفاية ۏجع.
بصت حوالين الأوضة كل حاجة فيها كانت بتفكرها بالإهانة
بكلمة بنظرة بضحكة كدابة.
قامت تفتح الدولاب بدأت تلم هدومها في شنطة صغيرة
كل قطعة كانت بتحطها كأنها بتحط جزء من عمرها اتظلم.
وهي بترتب حاجتها افتكرت تاني يوم في الكلية
كانت رايحة المحاضرة ووشها باين عليه التعب
خطواتها بطيئة عقلها مش معاها
وهي قاعدة جت نور صاحبتها اللي كانت تعرفها قريب
قعدت جنبها وقالت بابتسامة دافيه
هو في إيه يا فرح شكلك مهمومه كده ليه
فرح حاولت تبتسم وقالت
مفيش يا نور شويه ضغط شغل.
نور ضحكت وقالت
سيبي الكدب للممثلين يا شيخة أنا صاحبتك احكي لي.
سكتت فرح ثواني وبعدين قالت بصوت واطي
أنا أنا مخڼوقة يا نور
حاسه إني مش قادرة أتنفس في بيت عمي
كل ما أشوف معتز بحس بضيق
مش مرتاحة نفسي أمشي أسيب البيت ده كله.
نور بصت لها بتعاطف وقالت
طب ما تمشي فعلا
فرح هزت راسها وقالت
هاروح فين يا نور أنا بنت
ما ينفعش أقعد لوحدي في شقة والناس مش هترحمني.
ابتسمت نور وقالت وهي بتحط إيدها على كتفها
تعالي عندي يا بنتي
أنا وخالتي قاعدين لوحدنا
وما تقلقيش عارفه إنك مش بتحبي تبقي تقيلة على حد
اعتبريها أوضتك وادفعي في الأكل والشرب زي ما تحبي.
إحنا مش أغراب عن بعض.
بصت لها فرح بعينها المليانة دموع وقالت
إنت عارفه يا نور
ربنا فعلا بيعوضنا بناس زيك
ناس بتظهر في الوقت الصح.
نور ابتسمت وقالت بخفة ډمها المعتادة
خلاص اتفقنا أنا هستناكي بكره تجيبي شنطتك
والله البيت هيزيد نور لما تيجي.
فرح بهدوء
لا خليها بعد الحفلة.
افتكرت فرح كلامها وهي بتقفل الشنطة دلوقتي
ابتسمت ابتسامة خفيفة وقالت في نفسها
الحمد لله يا رب إنك بعت لي نور
يمكن تكون هي البداية الصح بعد كل الغلط اللي فات.
قامت خدت نفسها بصت لآخر مرة على الأوضة اللي شافت فيها كل ۏجعها
وقالت بهدوء وهي خارجة
كفاية خلاص أنا مش هرجع هنا تاني.
وهي پتهم علشان تخرج من الأوضة
اتفتحت الباب فجأة ومعتز داخل بعصبية باينة في كل ملامحه.
ما لحقش حتى يتنفس مسكها من دراعها پعنف وقال بصوت عالي
إنت مچنونة! إيه اللي عملتيه ده يا فرح!
أحرجتيني قدام الناس كلها! قدام زمايلي! قدام الدكاترة!
مين إنت عشان ترفضيني بالطريقة دي!
شدت دراعها منه پعنف
بس هو رجع مسكها تاني بقوة صوته بيعلو أكتر
أنا معتز يا فرح!
اللي الكل بيحترمه اللي الكل بيحسب له ألف حساب
وأنا أتقدملك و أقدملك الخاتم قدام الناس تقومى ترفضينى كده
قبل ما ترد كانت أمه طالعة على الصوت من الصالة
وقفت قدامهم وقالت بقلق
في إيه يا أولاد صوتكم مالي البيت!








