رواية ماوراء الصمت بقلم ألاء حجازي

قولته مش قليل
ومش من النوع اللي يترد عليه بكلمة وخلاص.
أنا مش عايزة أقولك كلام يفرحك النهارده وبعد كده أرجع أتراجع.
أنا محتاجة وقت ومحتاجة استخارة.
سكتت ثواني وكملت بهدوء
ربنا بس اللي يعرف الخير فين
ويمكن قلبي ميكونش شايف الصورة كلها دلوقتي.
فخليني أستخير
ولو في خير
هتلاقيني برد عليكم بنفسي.
بصت له بنظرة طويلة
كانت كأنها بتقوله أنا مش رفضة بس مش عايزة أتهور.
ابتسم هو بخفة ابتسامة كلها تقدير وقال
تمام يا فرح
استخيري
بس اعرفي إن قلبي استخار خلاص.
هي نزلت عينيها بسرعة وابتسمت من غير ما تقصد
وكل حاجة حوالين الاتنين اتحولت لهدوء غريب
هدوء مليان وعد.
عدى خمس شهور
خمس شهور اتغير فيهم كل حاجة
مش بسرعة بس واحدة واحدة كده من غير ما حد ياخد باله.
أولهم كانت فرح.
البنت اللي كانت پتخاف حتى تعيش لنفسها
بقت دلوقتي شبه النسخة اللي دايما كانت بتحلم تبقى عليها.
مبتسمة أكتر ملامحها فيها راحة
والحزن اللي كان ساكن عينيها بقى خفيف زي أثر قديم صعب يتنسى بس مش بيؤلم زي الأول.
وافقت على ياسين.
الموضوع ما كانش سهل بس لما قلبها اطمن استخارت
وحست إن ربنا بيطمنها كل يوم خطوة بخطوة.
اتقالت الفاتحة في بيت الحاجة منيرة
والكل كان فرحان بيهم
بس لسه ما اتخطبتش رسمي
كانوا مستنيين حاجة واحدة
معتز.
معتز اللي الحياة قلبته حرفيا من النقيض للنقيض.
من الشاب المغرور اللي بيكسر بالكلمة
للإنسان الهادي اللي كل الناس بقت بتحبه.
اتعلم معنى الۏجع واتعلم إن القوة مش في الصوت العالي ولا السيطرة
القوة الحقيقية لما تقدر تصلح اللي بوظته وتقول أنا آسف من قلبك.
بقى بيشوف فرح ك أخته الصغيرة
وهي كمان بقت بتتعامل معاه كأنه أخوها اللي رجع من جديد.
مبيفوتش يوم إلا لما يسأل عنها أو يعدي عليها قبل ما يروح المستشفى.
الجلسات العلاجية كانت ماشية كويس
والدكاترة قالوا إن رجله بدأت تستجيب بشكل ممتاز
وبقى عنده أمل حقيقي إنه يرجع يمشي طبيعي قريب جدا.
وفي النص
كانت نور.
نور اللي كانت بتضحك دايما وتهزر
بقت فجأة تراقب معتز من بعيد من غير ما تقول.
هو كمان كان معجب بيها
بس مكنش بيقرب
يمكن خوف يمكن إحساس بالذنب
يمكن لأنه فاكر إنها لسه شايفة فيه الإنسان اللي ۏجع فرح.
وهي كانت مفكراه لسه بيحب فرح.
كل تصرف بيعمله معاها كانت بتفسره كده
فتبعد وتحاول تخفي مشاعرها
بس في كل مرة تشوفه وهو بيضحك قلبها يتهز
وتمثل إنها عادي
كأن مفيش حاجة جواها بتوجع.
الأيام كانت بتجري بهدوء غريب
كأن الدنيا أخيرا قررت تديهم فرصة يتنفسوا.
بيت الحاجة منيرة بقى كله دفء وضحك
وفرح بقت بتشوف أمل في كل تفصيلة صغيرة.
حتى ياسين
كان بيحاول بكل الطرق يثبت لها إن وجوده معاها مش ضعف
وإنه دايما هيكون السند اللي وراها.
الأيام كانت ماشية بسلاسة
وفرح حست إنها بدأت تتعود على وجود ياسين في حياتها.
بقى كل يوم له طقوسه
هو بيعدي عليها بعد الشغل
يقعدوا عند الحاجة منيرة
يتكلموا في حاجات بسيطة جدا
بس بالنسبالهم كانت أهم من أي كلام كبير.
في يوم من الأيام
كانت قاعدة في الصالون بتذاكر شوية حاجات للشغل
وسمعت خبط خفيف على الباب
ولما فتحت
لقيته واقف قدامها بابتسامته اللي بقت بتلخبطها كل مرة تشوفها.
عاملة إيه يا فرح
قالها وهو داخل فابتسمت وقالت وهي بتهزر
هو كل مرة لازم السؤال ده
ضحك وقال
ما هو مش معقول أشوفك وأسكت!
ردت بخفة ډمها المعتادة
أيوه بس كده بتحسسني إني في تحقيق مش زيارة.
قال بابتسامة مائلة
تحقيق إيه ده أنا مجرد مواطن بيحب يعرف أخبار واحدة بتشغله باله طول اليوم.
ضحكت بخجل وقالت
أنا بس بحاول أفهمك.
رد بهدوء وهو بيقعد قدامها
طب فهمت إيه لحد دلوقتي
إنك ساعات غامض وساعات طفولي وساعات بحس إنك بتفهمني أكتر من نفسي.
والله العظيم ده أحلى تحليل سمعته في حياتي.
ضحكوا سوا
وكانت لحظة من اللحظات اللي فيها الدنيا شكلها بسيط وجميل
مفيش مشاكل مفيش خوف.
لكن السؤال اللي كان بيعدي في عقلها أوقات كتير وهي لوحدها
هل الهدوء ده هيفضل كده على طول
ولا القدر مخبي حاجة تانية
اللي محدش كان يعرفه
إن الأيام الجاية شايلة مفاجآت
هتختبر كل اللي بنوه
وهتخلي كل واحد فيهم يعرف هو بيحب قد إيه
وبيستحمل قد إيه.
وجه اليوم اللي هيغير كل حاجة…
اليوم اللي محدش كان متخيله ولا حتى فرح نفسها.
اليوم ده بدأ عادي جدا
فرح كانت قاعدة في أوضتها بتراجع شغل بسيط وهي مبسوطة إن حياتها بقت مستقرة أخيرا.
كل حاجة كانت ماشية طبيعيبس قلبها كان ۏجعها من غير سبب.
لحد ما التليفون بدأ ينور في وشها.
رسائل كتير جدا كأن في حد مستني اللحظة دي من بدري.
كانت رسائل كتير من رقم غريب
في الأول ما اهتمتش بس الفضول خلاها تمسك الموبايل وتشوف.
وأول ما فتحت
اتسمرت مكانها.
صور
صور لياسين قاعد في كافيه
بيضحك ومقابل بنت
ولابس نفس الهدوم اللي كان عندها بيها من كام ساعة بس.
إيديه على الترابيزة والبنت قاعدة قدامه شكلهم قريبين
وقلبها وقع من مكانه لما شافت الكلام اللي مكتوب تحت الصور
خطيبك بيخونك من قبل الخطوبة
لو مش مصدقاني ده عنوان الكافيه.
الدماغ سخنت قلبها بيدق بسرعة
كل حاجة جواها اتلخبطت.
قامت بسرعة خدت شنطتها
ونزلت من غير ما تحس برجليها.
ركبت أول وسيلة مواصلات لقتها قدامها
عينها في الموبايل وكل ما تبص على الصورة ۏجعها يزيد.
الطريق كله كان ضباب في عينيها.
ركبت أول تاكسي لقته
وكل ثانية وهي في الطريق كانت بتحس إن نفسها بيتسحب منها.
ولما وصلت الكافيه وقفت برا لحظة
قلبها بيخبط في صدرها.
مش قادرة تدخل ولا تمشي.
بس رجليها جريتها جوا.
وشافته.
ياسين قاعد ضهره ليها بنفس التيشيرت بنفس الضحكة اللي كانت بتحبها.
بس المرة دي الضحكة مش ليها.
الضحكة لبنت تانية.
قربت بالراحة
وقبل ما تنطق سمعت البنت بتسأله وهي مميلة عليه شوية
طب وخطيبتك
ضحك وقال بصوت واطي بس كفاية إنها تسمعه
خطيبتي دي خطوبة ڠصب عني
أمي اللي حبتها
وأنا خطبتها شفقة عشان كانت مسكينة يتيمة ومفيش حد حواليها.
هي بنت كويسة ومتعلمة بس مش مش ستايل
مش اللي أنا عايزه. أنا عايز واحدة من المدينة
تفهمني وتبقى واجهة.
الكلمات نزلت على قلبها زي السكاكين.
فرح وقفت
صوت الكرسي اللي وراها اتحرك خفيف
فلف بسرعة وشه اتبدل
اتخض لما شافها واقفة
وشها باين عليه القهر والۏجع.
قال بخضة
فرح!
بس هي ما سكتتش
عيونها كلها دموع وهي بتقول بصوت بيترعش من الۏجع
بدل ما أنا مش من مستواك… خطبتني ليه
بص ليها ياسين
و سكت لحظة وبعدين قالها بنفس البرد والقسۏة اللي خلت عينيها تدمع
قلتلك شفقة. صعبت على أمي خلتني أوافق.
في اللحظة دي
فرح حست إن كل حاجة جواها اتكسرت.
الهوى نفسه بقى تقيل على صدرها.
الكلمة دي كانت النهاية.
سكتت ثانيتين
نطقت بصوت مبحوح وهي بټعيط من غير ما تحس
أنا مش محتاجة الشفقة بتاعتك يا ياسين.
ولفت بسرعة
جريت
وهي مش شايفة الطريق
كل اللي شايفاه هو دموعها وهي نازلة
وكل صوت في ودانها بيقول
خطيبك بيخونك من قبل الخطوبة.
خطيبك بيخونك من قبل الخطوبة
كلمة فضلت ترن في ودنها طول الطريق.
رجت فرح من الكافيه وهي مش شايفة قدامها
الشارع كله دوار الأصوات حواليها كأنها جاية من تحت المية
والناس ماشية عادي ولا حد حاسس إن في قلب بيتكسر في نص الرصيف.
الهوا كان تقيل بېخنقها
دموعها بتنزل وهي مش قادرة توقفها
كل خطوة كانت كأنها بتسحب روحها من مكانها.
مسكت الموبايل بإيدها تبص تاني على الصور
كأن عقلها مش مصدق كأنها محتاجة تتأكد إن الۏجع حقيقي.
وصلت البيت دخلت أوضتها
قفلت الباب وسندت ضهرها عليه
ونزلت على الأرض زي طفلة تايهة.
الدموع نازلة بهدوء بس بعد دقيقة
اڼهارت.
اڼهارت بكل اللي جواها.
صوت بكاها كان مكتوم
إيدها على بقها علشان محدش يسمعها
وكل كلمة قالها ياسين في الكافيه كانت بتتردد في دماغها زي صدى
خطبتها شفقة.
هي بنت كويسة بس مش ستايلي.
ۏجع
ۏجع ما يتوصفش.
مش بس عشان الكلام
لكن عشان الثقة اللي كانت بنياها بإيديها اتكسرت.
الطمأنينة اللي كانت حاساها راحت.
فضلت كده وقت طويل
لحد ما خلصت دموعها تقريبا
بس الۏجع لسه زي ما هو.
قامت على صوت خبطة على الباب.
مسحت دموعها بسرعة
بس وشها كان باين عليه كل حاجة.
فتحت الباب
ولقت الحاجة منيرة
بصت لها وقالت پخوف
مالك يا بنتي وشك متغير كده ليه
قالت فرح بصوت مبحوح
مفيش يا حاجة بس تعبت شوية.
تعبانة طب أقوم أعملك كوباية نعناع.
لا بلاش أنا هنام شوية بس.
دخلت وقفلت الباب تاني
بس المرة دي قامت غسلت وشها
وحاولت تمسك أعصابها.
هي كانت دايما بتواجه
بس النهارده مفيش مواجهة في كسر.
الليلة دي كانت تقيلة على قلبها بشكل ما يتوصفش.
دموعها بتنزل بسكوت من غير صوت
كأنها خاېفة حتى ۏجعها يسمعه حد.
قعدت على الأرض وضمت رجليها
كل كلمة قالها كانت بتلف في دماغها زي سکين بتتغرز ببطء.
شفقة.
الكلمة دي كانت بتلسعها أكتر من أي إهانة.
عدى اليوم التاني كأنه سنة
والتالت كان أهدى بس ۏجعها زي ما هو.
ولما أخيرا سمعت خبط على الباب
قامت تفتح وهي مش متوقعة تشوف حد
بس أول ما الباب اتفتح
وقف قلبها.
ياسين.
واقف قدامها باين عليه إنه ما نامش من كتر التفكير
عينه فيها ۏجع وندم
بس هي ما قدرتش تنسى المنظر ولا الكلمة اللي كسرتها.
قالتله بصوت هادي بس فيه ۏجع مكشوف
إيه اللي جابك هنا يا ياسين
مش كنت بتقول إنك خطبتني شفقة
ولا جاي تكمل جميلك وتواسيني
هو خد نفس عميق وقال بهدوء
جيت أشرح مش أواسي.
بس برضه ما ينفعش نقعد لوحدنا هنا
تعالي نروح شقة الحاجة منيرة نتكلم هناك.
بصلته لحظة طويلة فيها تعب وۏجع ومشاعر متلخبطة
وبعدين ردت وهي بتحاول تبين ثباتها
ماشي.
كانت ماشية وهي مش باصة له خالص
بس قلبها بيخبط پعنف
مش عارفة خاېفة من الكلام اللي جاي
ولا من اللي ممكن تسمعه منه.
دخلوا شقة الحاجة منيرة
هي أول ما دخلت قالت وهي متوترة
انجز بقى يا ياسين عايز إيه
قال بهدوء وهو بيحاول يسيطر على أعصابه
فرح قبل ما أقول أي حاجة خدي نفس واسمعيني للآخر.
أنا مش ناقصة تمثيل تاني.
ولا أنا ناقص ۏجع تاني بس المرة دي أنا جاي أخلص الكلام اللي ما كملش.
قعد قصادها وقال بثبات غريب
انتي فاكرة يا فرح يوم قراية الفاتحة
فاكرة لما قلتلك تحفظي الرقم اللي هكلمك منه
قالت وهي مكشرة
آه فاكرة بس كنت فاكرة إنك بتعمل فيها ظابط سري كده وخلاص.
ابتسم بس بنظرة فيها ۏجع
لأ كنت قصدي فعلا تحفظيه
علشان أي حاجة تجي عليه تعرفي إنها مني
بس مش كل حاجة كنت أقدر أشرحها.
فلاش باك.
يوم الفاتحة بعد ما الناس مشيت
كان واقف معاها على السلم وقال بنبرة جد
بصي يا فرح الرقم ده احفظيه مش تسجليه.
وأي حاجة توصلك منه ما ترديش عليها
بس خدي بالك كويس لو حاجة ۏجعتك أو دايقتك منه
اعرفي إن وراها سبب.
واني المۏت عندي اهون من انك تتوجعي.
ساعتها هي ضحكت وقالت له
هو أنا داخلة حرب ولا خطوبة
ضحك وقال
ما تعرفيش الأيام مخبية إيه.
فرح اوعدني أي حاجة توصلك من الرقم ده ما تصدقيهاش
لأني مش دايما أقدر أشرح
بس أوعدك لما الوقت يسمح هتفهمي كل حاجة.
عودة من الفلاش باك.
قال لها
كنت فاكر إنك هتفهمي يا فرح
كنت فاكر لما يحصل أي حاجة غريبة هتفتكري كلامي
بس ما كنتش متخيل إنهم هيوصلوا للدرجة







