رواية ماوراء الصمت بقلم ألاء حجازي

ألاقي نفسي كل يوم بشوفه
حتى لو من بعيد.
كأنه جزء من الصورة اليومية
زي الطريق زي الناس اللي رايحة وجاية.
وجوده بقى عادة غريبة
عيني تتعلق بيه ثواني وبعدين أكمل طريقي كأني ما شفتش حاجة.
بس جوايا دايما في حاجة بتتحرك.
ارتياح فضول مش عارفة.
كنت بسمع كلام كتير عنه
اللي يقول عليه بلطجي
واللي يقول عليه راجل جدع
بس اللي شفته بعيني كان غير كده خالص.
كل مرة أشوفه ألاقيه واقف يساعد حد أو شايل حاجة عن حد كبير
من غير ما يتكلم كتير
ولا حتى يبان عليه إنه بيعمل معروف.
كأنه بيعمل الصح وخلاص.
وفي نفس الوقت
معتز
اللي كنت متأكدة إن مفيش بيني وبينه غير الخناق
ابتدى يتغير.
بقى بيتكلم بهدوء أكتر
يتعامل بطريقة ألطف شوية
بس رغم كده
لسه النظرات هي هي.
فيها استغراب وفيها حاجة مش مفهومة
كأنه مش قادر يصدق إني بقيت هنا
ولا إني بقيت زيه بالظبط دكتورة.
أوقات كنت بحس إنه بيحاول يفهمني
وأوقات تانية بحس إنه لسه شايفني أقل.
بس أنا كنت خلاص بطلت أبرر
ولا حتى أضايق.
بقيت بتعامل معاه بعادي
وأكبر دماغي من كل حاجة.
يمكن عشان اتغيرت
يمكن عشان بقت عندي حياة تانية بشوف فيها الناس بطريقة مختلفة.
كنت بين عالمين
واحد مليان هدوء وكلام محسوب
والتاني بسيط وصادق حتى في سكوته.
ومع إن مفيش حاجة واضحة
بس كل يوم بيعدي كنت بحس إن في حاجة جديدة بتتكتب في حياتي
من غير ما أعرف نهايتها هتكون إيه.
ومن ناحية تانية
اتعرفت على بنت جديدة في الجامعة
اسمها نور
خفيفة الډم طيبة ودخولها حياتي جه في وقته.
الكلام معاها كان سهل
الضحك بيروح وييجي بينهم من غير مجهود
ومن أول كام يوم بقت نور مش مجرد زميلة
بقت صاحبتها القريبة
اللي بتحكي لها عن كل حاجة بتحصل في حياتي. 
وفي يوم عادي جدا
وهي راجعة متأخرة شوية
حصل موقف بسيط بس غير نظرتها ليه.
ما كانتش عارفة توصف اللي شافته
يا عم سيبه يعدي!
لا والله ما يعدي دا خبطني بالعجلة وبيعمل فيها براءة!
اتلم الناس والعيال الصغيرين واقفين على الرصيف بيتفرجوا
وفرح كانت جاية في السكة شنطتها على كتفها
وقلبها دق لما سمعت الصوت الخشن اللي كانت سامعاه قبل كده
ياسين.
كان داخل من آخر الشارع صوته عالي وهو بيزعق
إيه اللي حاصل هنا يا ولاد ال
واحد من الشابين لف وقال له
مالك يا معلم ياسين احنا كنا بنهزر مع الراجل بس.
ياسين بص له من فوق لتحت وقال ببرود
هزار
قرب منه خطوتين وقال له وهو بيزقه بزراعه
لما تهزر مع حد في سن أبوك يبقى اسمها قلة أدب مش هزار فاهم
الشاب التاني رد عليه وهو متعصب 
ما تعليش صوتك علينا يا ياسين إحنا مش شغالين عندك!
ضحك ياسين ضحكة خفيفة بس فيها ټهديد
لأ ما انتوش شغالين عندي بس لو حبيت أخليكوا تشتغلوا عندي يوم واحد هتشتغلوا وأنتوا ساكتين.
الناس اتسكتت والراجل الكبير وقف بيقول
خلاص يا ابني سيبهم أنا تمام.
بس ياسين لسه متعصب قال وهو بيقرب من الشاب اللي بدأ الخناقة
قول للراجل حقك عليا دلوقتي ولا أخليك تاكل الرصيف بأسنانك.
الواد اتوتر وقال وهو بيبص حواليه
حقك عليا يا عمي أنا كنت غلطان.
ياسين رفع حاجبه وقال
بس كدهشوفت  سهلة اهي مش ناقصين پهدلة كل يوم.
الموقف خلص والناس بدأت تمشي
بس ياسين وهو ماشي الراجل الكبير مسكه من دراعه وقال له
ربنا يباركلك يا ابني.
ضحك ياسين وقال
علي اية يا حاج انت في مقام ابويا.
فرح كانت واقفة بعيد شايفة كل ده
مش قادرة تبصله عادي
اللي شايفاه مش بلطجي زي ما الناس بتقول
شايفاه راجل عنده شهامة وجدية غريبة عليها.
مشيت وهي في بالها كلمة واحدة
فيه حاجات شكلها غلط بس جواها الصح كله.
تاني يوم  وهي راجعة من الكلية
لاحظت الشارع مش طبيعي
الناس مجتمعة وستات بتتكلم من البلكونات
وصوت الهمس مالي المكان.
قلبها اتقبض حست إن في مصېبة.
وقفت عند راجل كبير واقف على ناصية الشارع وقالت له
هو في إيه يا عمي إيه اللي حصل ليه الناس مقلوبة كده
الراجل نفخ وقال وهو بيهز راسه
آه يا بنتي البوليس كان هنا من شوية و الدنيا كانت مولعة.
اتسعت عينيها وقالت بسرعة
بوليس! ليه حصل إيه
قرب منها وقال بصوت واطي كأنه بيحكي سر
واخدين الواد ياسين.
اتجمدت الاسم وقع عليها تقيل.
ياسين ليه!
والله يا بنتي ما حد فاهم
الناس تقول تحريات في قضية وناس تقول سړقة وناس تانية تقول ڼصب
بس كله كلام محدش عارف الصح من الغلط.
بيقولوا كان فيه خناقة كبيرة من كام يوم
وياسين اتدخل وضړب واحد من الكبار اللي طلع ليه سكة مش مظبوطة
ومن ساعتها الدنيا مقلوبة.
فرح حست إن الكلام مش داخل عقلها.
إزاي ياسين اللي كانت كل يوم تشوفه بيهزر مع العيال ويضحك
يتقال عليه الكلام ده
هو اللي كانت دايما تلاحظ فيه الشهامة
اللي بيقف في ضهر الناس من غير ما يستنى شكر.
الراجل كمل وهو بيحك دقنه
بس الشهادة لله يا بنتي
الواد ده ما شفتش منه حاجة وحشة.
آه ممكن صوته يعلو ممكن يخش في خناقة
بس عمره ما ظلم ولا أذى حد.
ده حتى من كام يوم لما شوية صيع كانوا بيضربوا راجل كبير
هو اللي نزل جري ودافع عنه كأنه أبوه
والله لولا هو كان الراجل ده راح فيها.
الناس بقى تقول عليه بلطجي بس أنا أقول عليه راجل جدع وابن حلال.
فضلت واقفة ساكتة كل كلمة بتدخل جواها زي سهم.
الشارع بقى هادي بعد ما العربيات مشيت
بس جواها كان فيه دوشة
حيرة خوف وقلق مالوش تفسير.
مشيت ببطء قلبها ۏاجعها
مش عارفة تصدق الكلام ولا تصدق اللي شافته فيه قبل كده
بس جواها إحساس غريب
كأنها أول مرة تحس بالخۏف على حد مش المفروض يهمها بالشكل ده.
كل ما تفتكر الضحكة اللي كان بيضحكها وهي معدية
تحس إن الدنيا بتغلط في حقه.
بس السؤال اللي فضل يعذبها 
هو فعلا عمل حاجة
ولا الناس ظلمته زي ما بتحب دايما تعمل مع الجدعان
دخلت فرح البيت وهي تايهة ومش في دماغها أي حاجة.
الشارع صوت الناس الكلام عن ياسين كله كان بيلف في دماغها.
ولا قادرة تفهم هو مظلوم ولا فعلا عامل مصېبة.
دخلت أوضتها وسندت ضهرها على الباب
نفسها تهدى دقيقة
بس لسه ما لحقتش تاخد نفسها
سمعت خبط خفيف.
مين
جالها صوته من بره ووشها اتبدل في لحظة
أنا معتز.
سكتت لحظة
وبعدين قالت بثبات وهي بتحاول تسيطر على صوتها
اتفضل.
فتح الباب ودخل
وشه كان مشدود صوته هادي بس فيه ڠضب متكتوم. 
قال وهو واقف في نص الأوضة
فرحأنا عايز أتكلم معاك كلمتين.
رفعت عينيها له وقالت بهدوء
تمام اسبقني على الصالونونادي مرات عمي تيجي تقعد معانا.
وأنا خمس دقايق وجاية.
بصلها بنظرة طويلة ما فهمتش معناها
وبعدين هز راسه وساب الأوضة من غير ولا كلمة.
قفل الباب وراه بهدوء
وساب بعدها فرح واقفة مكانها
تحاول تفهم هو جاي يقول إيه المرة دي.
يتبع. 

فرحأنا عايز أتكلم معاك كلمتين.
رفعت عينيها له وقالت بهدوء
تمام اسبقني على الصالونونادي مرات عمي تيجي تقعد معانا.
وأنا خمس دقايق وجاية.
بصلها بنظرة طويلة ما فهمتش معناها
وبعدين هز راسه وساب الأوضة من غير ولا كلمة.
قفل الباب وراه بهدوء
وساب بعدها فرح واقفة مكانها
تحاول تفهم هو جاي يقول إيه المرة دي.
وهي فضلت واقفة مكانها كام ثانية
بتسمع صدى خطواته لحد ما اختفى.
حست إن قلبها اتقبض
مش عارفة ليه الإحساس ده جواها بيقول إن الكلام اللي جاي مش بسيط.
قعدت فرح ساندة ضهرها على الحيطة
بتبص للنقطة اللي كان واقف فيها.
تنهدت وقالت في نفسها وهي ماسكة قلبها
استر يا رب يا ترى عايز إيه المرة دي
ولا هيجي يعايرني بكلمة تانية
هو معتز مش بيزهق من الكبرياء ده
بس خلاص أنا مش ناوية أزعل ولا أضعف.
وياريت المرة دي تكون جاي يتكلم بالعقل مش بالغرور بتاعه.
وقفت قدام المراية تعدل الطرحة
نفسها طالع داخل كأنها داخلة امتحان
وبعدين خرجت على الصالون بهدوء..
دخلت الصالون
كان معتز قاعد مستنيها
إيده متشابكة باين عليه القلق
أول ما شافها وقف بسرعة كأنه مش عارف يبدأ منين.
قال بصوت واطي بس واضح فيه اضطراب خفيف
فرح أنا عايز أقولك كلمتين بس اسمعيني للآخر.
بصت له بنظرة متحفزة وقالت بهدوء
تفضل أنا سامعاك.
ابتلع ريقه وقال وهو بيحاول يظبط نبرة صوته
بصراحة أنا عارف إن كلامي اللي فات كان قاسې
وكان مفروض ما أقولش اللي قلته
ولا أحكم على حد من غير ما أفهمه.
أنا غلطت
بس والله ما كنت أقصد أجرحك
أنا كنت متعصب وشايف الدنيا من زاوية ضيقة.
و عارف إني حكمت عليك  من غير ما أفهمك.
أنا بس كنت فاكر حاجات غلط.
الواحد ساعات بيغلط في حكمه وبيتكلم قبل ما يفكر.
قعد قدامها وقال بنبرة أقرب للصدق المره دي
أنا كنت فاكر إنك مجرد بنت مدلعة كده
جاية من بلد صغيرة ما تعرفيش حاجة
لكن الأيام اللي فاتت أثبتتلي إني كنت غلطان في كل حاجة.
اللي زيك ما يستحقش غير الاحترام
وأنا فعلا آسف.
فضل ساكت لحظة
وبعدين رفع عينه فيها وقال بابتسامة خفيفة فيها شوية خجل
بصراحة أنا مش عايز نفضل كده
تعالي نبدأ صفحة جديدة
ننسى اللي فات ونعتبر نفسنا من النهارده أصحاب.
مش أكتر ولا أقل.
فضلت تبص له بهدوء
مبتسمة ابتسامة صغيرة فيها برود متعمد
وقالت وهي بترفع حاجبها
أصحاب
هي فضلت ساكتة
بصت له نظرة فيها حذر ودهشة
مش عارفة تصدق ولا تعتبرها بداية لعبة جديدة منه وبعدين قالت 
مش غريبة الكلمة دي منك يا معتز
إنت آخر حد كنت أتخيله يقولها.
قال بنبرة شبه دفاعية
يعني إيه ما أنا مش وحش للدرجة دي.
قالت له بهدوء وهي بتقرب الكرسي شوية
لا مش وحش بس متعالي.
فاكر دايما إنك فوق الكل.
بس المرة دي أنا هسامحك مش علشانك
علشان نفسي
علشان ما يبقاش في قلبي حاجة لحد.
هو سكت
باصص لها بنظرة طويلة كأنها أول مرة يشوفها بجد
مش الجاهلة اللي رسمها في خياله.
لأ دي بنت تانية خالص.
قامت وقالت وهي بتعدل طرحها
خلاص يا دكتور معتز صفحة جديدة زي ما بتقول
بس خلينا نكتبها بالحبر الصح المرة دي.
وسابته وخرجت
وسابته قاعد مكانه
مش عارف يبتسم ولا يندم
بس كل اللي في باله جملة واحدة
هي فعلا مش زي أي بنت واللي ضيعته زمان شكله مش هيتعوض بسهولة.
تاني يوم الصبح الجو كان هادي على غير العادة.
فرح دخلت الكلية وهي ماسكة الورق في إيدها
بس عقلها كان في حتة تانية خالص.
كل خطوة كانت بتحاول تبين فيها إنها مركزة في شغلها
بس الحقيقة إنها كانت بتعيد كلام معتز في دماغها كلمة بكلمة.
أنا آسف نبدأ صفحة جديدة
الجملة دي كانت بتتكرر جواها كأنها لسه مسمعاها حالا
مش قادرة تحدد إذا كانت فعلا مصدقة اعتذاره
ولا شايفاه مجرد محاولة لتلميع صورته قدام نفسه.
كانت سرحانة بين كلام معتز واعتذاره
وبين وش ياسين اللي مش عارفة تخرجه من دماغها.
اللي الناس قالت عليه كلام خلاها مش قادرة تستوعب.
ده البوليس كان واخده ولسه طالع من قضية!
تحريات وسړقة وڼصب!
الكلام ده كان بيجري في دماغها كأنه شريط شغال ومش عايز يوقف.
حطت إيدها على راسها وقالت في سرها
استر يا رب معقول ياسين يطلع كده
طب اللي شفته منه ماكانش يدل خالص على كده

الصفحة السابقة 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19الصفحة التالية
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى