رواية ماوراء الصمت بقلم ألاء حجازي

كان بيكلم الراجل الكبير بأدب وبيحوش عنه العيال اللي كانوا هيضربوه!
هو ممكن يكون مظلوم ولا الناس بتزود
دمعة نزلت منها من غير ما تحس
مسحتها بسرعة وقالت بصوت واطي فيه غيظ على نفسها
بطلي غباء يا فرح بطلي غباء.
ده حتى لو طلع مظلوم هو إيه بالنسبالك ولا حاجة.
ولا حتى ليك حق تفكري فيه بالشكل ده.
كانت غرقانة في دوامة التفكير دي
وقعدت على مكتبها
وبصت في الورق اللي قدامها كأنها بتقراه
بس الحروف كانت بتتشكل في عينيها من غير معنى.
شوية وسمعت صوت خفيف بيقولها بنبرة فيها هزار
يا دكتورة فرح!
مالك قاعدة كده وشك شاحب ونايم على بعضه كأنك كنتي في خناقة امبارح.
رفعت راسها لقت نور واقفة بابتسامة واسعة كالعادة
صاحبتها اللي اتعرفت عليها قريب بس راحت لقلبها بسرعة.
قالت لها فرح بابتسامة باهتة
لا مافيش بس تعبانة شوية.
نور قعدت جنبها مالت ناحيتها وقالت بخفة ډمها المعتادة
يا شيخة بلاش الكلام ده
أنا عارفة النظرة دي دي نظرة في حاجة بس مش عايزة أقول.
اتكلمي يا بت أنا نور يعني مش غريبة.
ضحكت فرح ڠصب عنها وقالت
والله الموضوع مش كبير بس يمكن متلخبط شوية.
نور ضړبتها على دراعها بخفة
متلخبط في شغل ولا في قلبك
أهو أنا بقولك من دلوقتي لو في قلبك يبقى احكيلي من الأول أنا متخصصة.
ضحكت فرح وقالت وهي تهز راسها
لا يا شيخة لا حب ولا حاجة.
بس تعرفي ساعات الواحد لما يسمع كلام جارح من حد
يفضل الكلام ده عايش جواه حتى بعد ما الشخص يعتذر.
نور قربت منها أكتر وقالت بجدية
حد زعلك
سكتت فرح لحظة
وبصت بعيد كأنها بتفتكر المشهد كله
ثم قالت بنبرة هادية فيها ۏجع خفيف
معتز.
معتز!
نور فتحت عينيها بدهشة
هو مش ابن عمك اللي هنا في الكلية
أيوه
قالت فرح بهدوء وهي بتعبث بأطراف الورق اللي قدامها
كان دايما بيكلمني بطريقة مستفزة
شايف نفسه فوق الكل وأنا دايما كنت بتجاهل.
بس امبارح اتكلم واعتذر وقال نبدأ صفحة جديدة.
نور رفعت حواجبها وقالت وهي متبسمة بمكر
الله الراجل اعتذر! مش المفروض ده إنجاز
ولا إنت من النوع اللي لما الدنيا تلين يعند أكتر
فرح ضحكت بخفة وقالت
مش عناد بس مش قادرة أثق بسهولة.
الكلمة لما بتتقال بتسيب أثر.
هو يمكن كان صادق بس الوقت بس هو اللي هيبين.
نور سندت خدها على إيدها وقالت وهي بتبصلها بتركيز
طيب بس واضح إن كلامه مأثر فيكي أكتر مما كنتي متخيلة.
يعني لا بتكرهيه ولا بتحبيه بس بتفكري فيه.
ودي بداية الخطړ يا دكتورة.
اهو جبنه في سيره القط جاي ينط. قالت كده لما
دخل معتز القاعة.
بملابسه الكلاسيك العادية ونظرته الهادية اللي فيها ثقة وغرور متعودة عليها.
بس النهارده في حاجة مختلفة
ابتسامته وهي بيبصلها كان فيها دفء مش معتاد.
قال بنبرة هادية وهو بيقرب منها
صباح الخير يا فرح.
صباح النور.
ردت وهي بتحاول تثبت ملامحها كأنها مش متفاجئة.
كنت جاي أسألك عن ملف الطلبة اللي قدموا متأخر.
قال كده وهو بياخد الورق
لكن عينه كانت بتقول كلام تاني خالص.
بعدما هد الورق قال
شكرا قالها وهو لسه واقف مكانه.
في حاجة تانية
آه في حاجة صغيرة.
خير
ممكن ننسى بجد كل اللي فات
قالها بصوت منخفض كأنه مش عايز حد يسمعه غيرها.
هي بصت له لحظة
شافت في عينيه مزيج من ندم وصدق
بس قلبها كان مشغول بحاجة تانية تماما.
مش معتز ولا حتى الكلام اللي بيقوله
كانت شايفة في خيالها صورة ياسين
إيده وهي بتحوش عن الراجل الكبير
وصوته لما كان بيقول خلاص يا عم الحاج سيبهم علي.
رجعت للواقع بسرعة وقالت ببرود مقصود
خلينا نركز في الشغل دلوقتي يا معتز
والقديم الزمن كفيل بيه.
اتسعت ابتسامته شوية وقال
ماشي يا فرح بس الزمن ساعات بيحتاج حد يساعده.
خرج من القاعة وهو لسه مبتسم
وسابها غرقانة أكتر في حيرتها.
بين اعتذار معتز اللي بدأ ېلمس قلبها
وحكاية ياسين اللي مش قادرة تهضمها
مين فيهم الصح
ومين فيهم بيلعب على وشين
قلبها كان بيقول ياسين مش ممكن يبقى مچرم
لكن عقلها كان بيرد بسرعة
كل الناس قالت كده هتكوني إنتي الوحيدة اللي غلطانة. سكتت وابتسمت ابتسامة حزينة وهي تهمس
يا رب بين لي الحق قبل ما أندم.
وهي مروحة كانت راجعة في نفس الشارع كالعادة
الجو هادي والناس قليلة
بس وهي معدية من عند بقالة في أول الحارة
سمعت صوت ستين بيتكلموا وهم واقفين عند الباب.
سمعت اللي صدمها عن ياسين عمرها ما كانت تتخيل ان هو كده خالص
واحدة بتقول للتانية
والله يا أختي أنا اتفاجئت لما عرفت! وعمري ما كنت اتوقع منه كده ده طلع……..
يتبع.
والله يا أختي أنا اتفاجئت لما عرفت! وعمري ما كنت اتوقع منه كده ده طلع ظابط يا بنتي!
التانية شهقت وقالت
إيه ظابط ده مش كان مسجون
لأ يا شيخة ده كله كان تمويه تحقيقات وحاجات من اللي بيعملوها دول أصل القضية كانت كبيرة أوي!
فرح وقفت مكانها
الكلمة ضړبت ودنها كأنها طلقة.
ظابط!
ياسين!
الخطوات ثبتت على الأرض
ونبض قلبها بدأ يعلى بشكل يخوف.
هي سمعت صح!
رجعت بخطوة كأنها عايزة تتأكد من الكلام.
الست التانية كملت وهي بتوشوش
ده طلع بيشتغل في مباحث القاهرة
وكل اللي حصل كان تمثيلية عشان يدخل وسط العصابة اللي كانوا بيحققوا فيها.
فرح بلعت ريقها بالعافية
والكلمات علقت في دماغها
تمثيلية ظابط
حست إن الدنيا لفت بيها.
يعني اللي كانت شايفاه بلطجي
اللي الناس كلها كانت بتتكلم عليه إنه مچرم
ده طلع ظابط!
اللي دافع عن الراجل في الشارع
واللي كل يوم كانت بتشوف فيه ملامح الجدعنة والرجولة
ده ما كانش صدفة
وقفت لحظة
وبصت للسماء وهي تهمس لنفسها
سبحانك يا رب الدنيا بتقلب في لحظة.
ما لحقتش تكمل التفكير ولقت صوته جاي من وراها.
إزيك يا دكتورة
لفت بسرعة قلبها دق من غير سبب وهو واقف قدامها بنفس الهدوء اللي دايما بيحيرها.
قال بابتسامة بسيطة
عامله إيه إن شاء الله بخير.
ردت بتوتر
الحمد لله بخير… كفارة يعني.
ضحك بخفة وقال
السچن للجدعان يا دكتورة… وبعدين ده أنا اللي عايش فيه ما تقلقيش علي.
نظرت له باستغراب ممزوج بدهشة وسألت بسرعة
هو… هو أنت ظابط بجد!
ضحك من غير ما يرد رفع حاجبه وقال
هو أنا شكلي بلطجي للدرجة دي
اتنرفزت وقالت بحدة وهي تمسك شنطتها
أنا مش فاضية للحركات دي عن إذنك.
واتجهت تمشي بخطوات سريعة.
هو وقف يراقبها بعينين فيها لمعة خفية وقال بصوت واطي بس مسموع
يا بنت الناس اللي يمشي وراك والله ما يضيع طريق.
وقفت لحظة بس ما بصتش وراها
هو ابتسم وهو بيكمل بصوت واطي لنفسه
دي لو قلبي حجر كانت هتكسره بنظرة.
وبعدين نفخ بخفة كده وقال وهو بيبص ناحيتها
يا ساتر دي شكلها هتبقى ۏجع دماغ ۏجع حلو.
كانت ماشية بسرعة وشايلة ملفاتها في إيدها كأنها داخلة امتحان مصيري
وفجأة سمعت صوته جاي من وراها النغمة اللي حفظتها ڠصب عنها
استني يا دكتورة بتجري ليه كده حد قالك إن في طابور تسليم واجب
لفت وهي متضايقة قالت بحدة
حضرتك مش ملاحظ إن أنا مش فاضية للرغي ده
ضحك وقال بهدوء مستفز كده وهو بيحط إيده في جيبه
رغي! ده أنا كنت بسأل عن حال التعليم العالي واضح إنه في خطړ.
قالتها وهي بتتنهد
يا ريت يا حضرة الظابط تسيبنا في حالنا.
قرب منها خطوة وهو لسه مبتسم ابتسامة نصها هزار ونصها جد
حضرة الظابط دي كتير أوي علي قوليلها كده بلدي شوية ياسين بيه مثلا أو باشا.
رفعت حاجبها وقالت بسخرية
تمام يا ياسين دلوقتي خليني أكمل طريقي بقى.
ماشي بس لو حد ضايقك في السكة ناديني ده تخصصي الجديد.
قالتها بنفاد صبر
مفيش حد ضايقني غيرك أنت!
ضحك وقال وهو بيبعد خطوة ويميل راسه كده بثقة
يبقى أنا ناجح في الشغل قدرت أستفز المچرم يعترف.
بصت له بنظرة قاټلة ومشيت بسرعة
بس وهو واقف كان باصص وراها مبتسم بيهز راسه كده بإعجاب.
أما هي أول ما وصلت الكلية ودخلت المكتب وقفلت الباب
فضلت ساكتة ثانيتين وبعدين الضحكة اللي كان كتماها طلعت منها ڠصب عنها.
حطت إيديها على وشها وقالت لنفسها
غبي بس دمه خفيف. ليه بضحك أصلا!
وبعدين قالت وهي بتحاول تبان صارمة لنفسها
أنا مش هضحك تاني على هزاره المره الجاية هرد عليه رد يوقفه عند حده.
بس ضحكت تاني وهي بتفتكر نبرته وهو بيقول
يبقى أنا ناجح في الشغل
الوقت ابتدى يعدي بسرعة غريبة الأيام بقت شبه بعض
الشغل في الكلية ملوش آخر وضغط المحاضرات والتحضيرات زاد مع اقتراب امتحانات نص السنة.
فرح كانت في دوامة بين التحضير للدروس وورق الدكتوراه اللي بقى جزء من يومها
كانت بتركز بعناد غريب كأنها بتحاول تثبت حاجة مش بس لنفسها لأ للعالم كله.
أما معتز فبقى وجوده ملحوظ أكتر.
بقى دايما حوالين فرح بس مش بنفس الطريقة اللي قبل كده.
فيه حاجة مختلفة
نظراته بقت غريبة
كأنه كل ما يشوفها بيحس بحاجة مش قادر يسميها
مزيج من غيظ وفضول وإعجاب بيحاول يكتمه بأي طريقة.
في يوم شافها بتتكلم مع أحد الدكاترة عن بحثها الجديد
وقف مستغرب عينيه مركزة عليها
ولما خلصت قرب منها وقال بنبرة فيها تهكم خفيف يخبي بيها ارتباكه
هو إنت بتعملي بحث دكتوراه كمان
بصت له بثقة وقالت
أيوه بحضر فيها من بدري.
ابتسم ابتسامة مصطنعة وقال بسرعة
آه تمام يعني حلو مبروك يا دكتورة والله فرحت لك.
بس في صوته ما كانش في فرحة
كان فيه نغزة غريبة
زي واحد بيحاول يقنع نفسه إنه مش متضايق
بس الحقيقة إنه بيغلي من جواه.
هو ما كانش قادر يستوعب الفكرة.
إزاي هي اللي كان شايفها أقل
تبقى واقفة جنبه دلوقتي بنفس المستوى
بل بالعكس يمكن متقدمة عليه خطوة
وكل مرة يشوفها شغالة أو بيتكلموا عنها في الكلية بإعجاب
يحس ڼار صغيرة بتتحرك جواه.
بس المضحك إنه في وسط دا كله
كان بيقرب منها أكتر.
كل شوية يلاقي نفسه بيساعدها في حاجة
يقولها سيبي دي عليا
أنا هخلص الورق ده
لو عايزة حاجة قولي لي.
كأنه بيحاول يعوض غيرته بمساعدة
وبيخبي مشاعره بكلمة زمالة.
لكن كل مرة يتكلم معاها
صوته يلين أكتر ونظراته تطول أكتر.
وفرح كانت ملاحظة
ملاحظة إنه بيتغير
بس مش عارفة هو ليه بيتغير.
أوقات تحس إنه بيكرهها وأوقات تحس إنه مش قادر يبعد.
وساعات لما ترفع عينيها وتلاقيه بصص لها
تحس بنظرة مش مفهومة
نظرة كلها كلام متكتم.
لكنها كانت بتتصرف كأنها مش واخدة بالها
ترسم ابتسامة بسيطة وتكمل شغلها.
بس جواها كانت حاسة إن في حاجة مش مظبوطة
كأن معتز بيحارب نفسه
نص منه عايز يبعد عنها
ونص تاني عايز يقرب أكتر.
ومع مرور الوقت الكلية كلها دخلت في ضغط نهاية السنة.
اللجان التصحيح الاجتماعات
وفرح ومعتز الاتنين غرقانين في الشغل
بس وسط الزحمة دي كانت اللحظات الصغيرة بينهم بتتكرر
نظرات جمل عابرة سكون طويل بين كلامهم.
وفي مرة وهو بيكلمها عن التحضير للحفلة اللي في آخر السنة
قالها وهو بيضحك نص ضحكة
أكيد هتطلعي تتكرمي يا دكتورة فرح ما شاء الله مجتهدة أوي.
ردت بابتسامة بسيطة وقالت
كلنا بنتعب يا دكتور مش أنا لوحدي.
ضحك وقال بنبرة فيها حاجة مش واضحة
آه بس إنتي تعبك بيبان.
وسكت بعدها كأنه ندم إنه قالها
لكن هي سمعتها كويس جدا
وساعتها بس عرفت إن








